Saturday, December 27, 2014

ديسمبر الماضي.

لم أكن أتصور أن الأيام يمكنها أن تتطابق وتتماثل بهذا الشكل، فتتكرر مرّة أخرى بكل تفاصيلها، ففي هذا الوقت، وبالتحديد منذ سنة، في شهر ديسمبر، من العام الماضي، شعرت بالحزن ايضًا، وتسألت، كيف للحنين _في أوقاتٍ كهذه_ أن يضرب الجزء المسؤول عن الذاكرة بكل قوةً كما يفعل في هذه اللحظات؟

أنا لا أؤمن بأن الأيام تعيد نفسنا بنفسها، ولا أن النتائج دائمًا تتطابق، أنا فقط أؤمن بأن البشر ضعفًا، والحياة قاسية بالفعل، لكن المشكلة هذه المرّة، أنه لا مكان لكلمات الإعتذار، فكلمات الإعتذار لن تحل شيء، لكن، ألا تحتاج هذة الكلمات لأفواه البشر كي تُنطق؟ فأين البشر إذن في شهر ديسمبر الحالي؟

أتخذت قرارًا _منذ فترة_ أنني لن أكتئب، لا يوجد مكان للإكتئاب أصلًا، فألاكتئاب للمرفهين، وأنا لست مرفهًا أبدًا، يمكن القول أنني كنت مرفهًا في الصغر، لكن الأن، والأن بالذات، لا أشعر بجزء ولو بسيط من هذه الرفاهية، لكن إذا لم أكن سأكتئب فلا بأس أن أحزن! فالحزن شعور إنساني يمس المرفهين وغير المرفهين، لا بأس إذًا ببعض الحزن في ديسمبر الحالي ايضًا، لا بأس أبدًا.

كلما مرت الأيام، كلما شعرت بتفاهتها أكثر وأكثر، وكلما شعرت أن ما كنت أشعر به في الماضي هو محض تفاهات لم يكن يجب لشخصٍ في حالتي أن يشعر بها، كيف لشخصٍ في مثل حالتي أن يشعر بالحزن لمجرد البُعد عن شخصٍ كان يحبه كثيرًا؟ كيف يمكن للبُعد أن يكون له مثل هذا التأثير الحزين؟

والأن، وبعد مرور سنةٍ كاملة، أشعر أن هذا الحزن _الذي كان_ لم يكن له هذه الأهمية التي وليته إياها، يمكن أن أكون قد بالغت في تقديره، يمكن أن أكون قد حملته وأوّلته على عدة تأويلات لم يكن لها أصلٌ بداخلي من البداية، لا أعرف، لكن ما أعرفه جيدًا، أن الحزن هذة المرّة مختلف، والمشكلة هذة المرة حقيقية وليس لها علاقة بالمشاعر فقط، بل أنها تؤثر عليّ إجتماعيًا ونفسيًا بشكلٍ مباشر، فلا مكان هنا للأعذار، بل لا مكان للكلمات كلها من الأساس.

منذ سنوات، أصابني هاجس أنني إن مت في هذا الوقت، فلن يشعر بي أحد، ولن يسأل عنّي أحد، وإذا علم أحدهم بموتي لن يحزن، فأنا لم أكن مفيدًا ولا قريبًا لأحد، وإذا حزن فلم يتذكر هذا الحزن بعد يوم أو يومان على أكثر تقدير، فحزنت قليلًا لكنني قررت أن أنسى هذا الهاجس تمامًا ولا أفكر فيه مرّة أخرى، لكن، ولسوء الحزن الملازم لي، أنني وجدت نفسي، كلما جاء شهر ديسمبر، وابتعدت الناس عن بعضهم البعض، وابتعدوا عنّي وابتعدت عنهم، أفكر في هذا الهاجس مرّة أخرى، وفي كل مرّة تشتد وطأته، وأصدق بشكل لا يدع مجالًا للشك، أن الموت لن يكون حلًا جيدًا ابدًا في هذة الأوقات، بالرغم من قسوة الحياة حتى!

أيام قليلة تفصلنا عن السنة الجديدة القادمة، وأنا اتمنى أن تكون بداية هذه السنة أفضل قليلًا من سابقتها، وأن تصل إلى نهاياتها على خير، وأن يأتي ديسمبر، من هذا العام، بدون حزن يجعلنا نتذكر جميع الهزائم التى مضت.

بانوراما 2000: أوديسي الكباريهات.

خرجت من إحدى مولات شارع الهرم بصحبة صديق لي سعيدًا بما حصلت عليه من الداخل، أتذكّر جيدًا أنه كان كوتشي نايكي أبيض، أتذكر لأن من كان يرتدي كوتشي نايكي أبيض ويذهب به إلى المدرسة فلابد من أنه شابًا مميّزًا بلا شك.

كنت في الصف الأول الثانوي، السنة التى أعتبرتها "سنة التيه والضياع" في حياتي، السنة التى أنتقلت فيها من شابٍ يرتدي الزي المدرسي الكامل بربطة العنق والقميص بداخل البنطلون، إلى شابٍ لا يلتزم حتى بلون البنطلون المطلوب للزي المدرسي. لذلك كان عليّ أن أظهر بمظهر الشاب الغير ملتزم بأي شيء، أصل إلى المدرسة مع بداية الحصّة الثالثة وأخرج قبل إنتهاء الحصّة الأخيرة، نذهب للعب البلاي ستيشن والبلياردو في الثامنة صباحًا قبل حتى أن نذهب إلى المدرسة، ثم نذهب على مضض بعد أن يطاردنا بعض المدرسين في الشارع المقابل لشارع المدرسة.

لذلك، في هذه الحالة، لم أكن لأرفض أي إقتراح يقترحه عليّ أحدهم، فعندما خرجنا _أنا وصديقي_ من المول إقترح عليّ أن نذهب إلى المقهى لتدخين الشيشة، لم أكن قد جربت الشيشة من قبل فرفضت وقُلت إنني سوف أتناول إحدى العصائر بدلًا من تدخين الشيشة فوافق.

تحركنا بإتجاه شارع العريش بالهرم، وقبل وصولنا إلى محطة المطبعة وجدنا شابًا قصيرًا مبتسمًا يقترب بإتجاهنا، أوقفنا الشاب وقال "مش عايزين تسهروا يا كباتِن؟" نظرنا إلى بعضنا البعض ونحن لا نعرف بما سنجيب، لكن صديقي أخذ المبادرة وقال "عندكوا شيشة؟" فرد الشاب "طبعًا يا برنس في كل اللي أنت عايزه" فأسجمعت أنا ايضًا شجاعتي وقلت بكل ثقة "طيب عندكوا عصير مانجا؟" نظر لي الشاب مبتسمًا إبتسامة واسعة "يا باشا في كل حاجة" قلت "بكام؟" فقال "الشيشة بخمستاشر والمانجا بعشرة، إتفضل يا برنس ومش هنختلف"، فقررنا _أنا وصديقي_ أن نتفضّل.

تحركنا قليلًا إلى اليمين ثم وجدنا الشاب ينزل عن طريق نفق ضيق إلى تحت الأرض عبر الكثير من الدرجات، نفق ضيق مخيف وبه الكثير من الأضواء الحمراء! نظرت للأعلى فوجدت يافطة كبيرة مكتوبٌ عليها "بانوراما 2000" فلم أعر ذلك إهتمامًا، لكن ذلك أثار تساؤلًا بداخلي، لماذا يُسمي مكانًا تحت الأرب ببانورما 2000؟

في طريقنا إلى البانورما التحت أرضية، وجدنا الشاب يلتفت إلينا ويقول "هقعّد لكم بنت كدة معاكم على الترابيزة تسليكم" وجدت قلبي في هذة اللحظة يدق بقوة من شدة الخوف والفرح في نفس الوقت، فرح لأنه هناك فتاةٌ سوف تجلس معنا على الترابيزة، والخوف أنها فتاةً مستأجرة لم تختارنا ولم نختارها، ثم ما الذي يجعل فتاةً تجلس معنا من الأساس لتسلينا؟ لقد جلست على الكثير من المقاهي ولم يكن هناك أحدٌ ليسلينا هناك!

إقترب الشاب من بابٍ حديدي وطرق عليه ففُتح الباب ودخلنا إلى عالمٌ جديد علينا تمامًا، كل شيء مُظلم تقريبًا، ولا تستطيع تمييز إلا بعض الأشكال، شعرت لوهلة أنني في الفضاء، نظرت على يساري فوجد شكلًا ضخمًا لرجل كان عريضًا للغاية ودماغه مُربّعة يجلس كالملك على أريكة حديدية، وعلى جانبيه تجلس أشكالًا لفتاياتٍ تمسكان بذراعه، شعرت أننا في الطريق إلى المقصلة فزاد الخوف بداخلي أكثر وأكثر.

جلسنا على طاولةٍ في أقصى يسار المكان، مال علينا الشاب وقال ومازالت على وجهة نفس الإبتسامة "هجيبلكم البنت حالًا" فنظرت إلى صديقي ولم أعلّق بكلمة، في هذة اللحظات أخذت أنظر حولي، المكان ضيّق لكن هناك الكثير يحدث بالرغم من هذا الضيق، موسيقى راقصة بالألات الشرقية تصدع في كل أرجاء المكان، على اليمين ترقص فتاة على إحدى الطاولات الكبيرة، وأمامنا البار ورجلًا يشرب شرابًا أصفر اللون على ما أظن أنه كان بيرة والعياذ بالله!

بعد وقتٍ قليل، ظهر الشاب وفي يده فتاة، نظرت لها نظرة سريعة متفحّصة فلم ألحظ غير شعرها البرتقالي من الأكسجين، والبنطلون الكاكي الذي كانت ترتديه، لم أرد النظر إليها أكثر من ذلك حتى لا تتحدث معي فثبّت نظري على كوب المانجا الذي نزل على الطاولة وأنا في حيرة من أمري لأنني لم ألحظ نزوله، نظر صديقي إلى الفتاة وقال "إية الأخبار" فردت عليه بإبتسامة وهي عاقدة يديها "تمام". أشار صديقي إلى الشاب حتى يميل عليه وقال له "هي اية نظامها؟" فرد عليه "مية جنية بالحشيش، خمسين لو من غير، ودي علشان تخرج من المحل، وعرقها هي بقى تتصرف فيه أنت بمعرفتك وبالأتفاق معاها برّة عننا"، فلم أهتم وقررت أن أشرب كوب المانجا وأنا لازلت أنظر أمامي دون أن أتحدث.

لا أعلم كم مر من الوقت قبل أن أقول لصديقي أنني خائف من وجودي في هذا المكان، ولي كل الحق في أن أخاف، فأنا شابٌ لم أكمل السادسة عشر من عمري في مكانٍ أقل شخص فيه يمتلك رخصة قيادة! فقال لي صديقي "أتقل بس تيجي الشيشة وأشد لي حجر وأقوم بعدها" فقررت الصمت وإستكمال رحلتي في تأمل كل ما يحدث حولي، ولم يطقع هذا التأمل سوى أنني سمعت ضحكةً أهتزت لها جدران المكان الضعيفة، فنظرت بإتجاه الضحكة فرأيت فتاةً تضع الكثير من مساحيق التجميل، وجدتها تنظر بإتجاهي وتقول بصوتٍ عالٍ "اية يا واد العسل دة؟ *قبلة في الهواء* جاية لَك!" فدق قلبي بسرعةً شديدة وقلت لصديقي "أنا هقوم أمشي دلوقتي حالًا مش هستنى دقيقة هنا!!".

فضحك صديقي وأشار للشاب الذي رافقنا من الخارج حتى باب النار وقال له أننا نريد دفع الحساب، فرد عليه الشاب "مية جنية يا باشا" فرددنا في نفس اللحظة "مية جنية لية؟ إنت مش قايل لنا خمسة وعشرين جنية تمن الشيشة والعصير، دة حتى الشيشة لحد دلوقتي مانزلتش .. هي عشرة جنية!" فوجدناه يقول "الكلام دة بقى مش معايا، مع الباشا" وأشار للراجل الضخم ذو الوجة المُربّع الجالس على الباب،  تقدمنا نحوه بغضب فقام من مكانه، يبدو أنني أخطأت تقدير أبعاد الرجل، فلم أكن أعرف أن طوله سوف يتخطي الباب ابدًا!

قال بصوتٍ قوي "في حاجة يا كباتِن؟" فشرحنا له بهدوء أن الشاب يريد سرقتنا وأنا إتفق معنا على خمسة وعشرين جنية فقط "هل دة يرضيك؟" فقال "مش في فتحتة ترابيزة؟" فسألناه ما هي فتحتة الترابيزة؟ فقال "السوداني والماية والمناديل والحاجات اللي على الترابيزة دي، دة غير القعدة عليها لوحدها بعشيّن جنية! أنتوا فاكرين اية؟" فترددنا في الرد لأن جميع الأشياء التي أشار عليها بالفعل موجودة ولكن بكميات لا تكفي لإشباع قردٍ صغير الحجم! أكمل كلامه قائلًا "أنا ممكن أطلب البوليس دلوقتي، وإحنا مكان مُرخّص، إنما أنتوا اللي وجودكم هنا هو اللي غلط، ولا أنتوا عايزين القسم يبلغ أهلكم؟" فأرتعبنا ولم نستطع الرد، قال "إنتوا علشان زي إخواتي أنا هاخد منكم الخمسة وعشرين جنية اللي أتفق معاكم عليها بس، وهسيبكم تخرجوا من هنا زي ما دخلتوا" فقررنا إعطاءه الخمسة وعشرين جنية فورًا دون نقاش، فأخذها وأبتعد عن الباب "شرّفتوا".

صعدنا إلى الشارع مرّة أخرى، وحمدت الله على أنه لم يتصل بالشرطة وأن أهالينا لن يعرفوا هذا الأمر ابدًا، عندما خرجنا وجدنا الشاب الذي رافقنا إلى الأسفل يصعد خلفنا بسرعة "يا كباتِن يا كباتِن" نظرنا له وقال صديقي بصوتٍ عالٍ "عايز اية؟" فقال بكل بجاحة "عايز حقّي!" فوجدت نفسي أرد عليه بصوتٍ عالٍ جدًا "حقك اية يا إبن الوسخة بقى تضحك علينا وتقول لنا حقّي؟ أمشي من مشي ينعل أبو شكلك أمشي!" فلم يرد ورحل.

لم نُرِد أن نذهب إلى البيت محطمين بهذا الشكل، فأستكملنا وجهتنا إلى شارع العريش وجلسنا على إحدى المقاهي الشعبية وطلبنا ما أردناه وتحدثنا بحزن قليلًا عمّا حدث لنا، بعدها لم يتوقف صديقي عن الضحك على ما فعلته أنا عندما قالت لي الفتاة أنا "جاية لي"، بعد قليل، قررنا الذهاب إلى بيوتنا، وفي الطريق فكرت في كل ما حدث في اليوم، وحزنت قليلًا، لكنني تذكرت الكوتشي النايكي الأبيض، فنظر إليه مرّة أخرى، وقُلت بصوتٍ منخفض "الحمد لله".


                                                     

Saturday, November 8, 2014

البحث عن نقطة التماس.

هناك بعض الأثار الجانبية التي قد تظهر عليك كنتيجة طبيعية للوِحدة الإختيارية، والذكريات، والحنين إلى الأيام التي مضت ضمن هذه الأثار وتضرب جزء الذاكرة بقوة دون سبب واضح أو معروف، وبلا أي إعداد سابق، فقط تجد أنك تتذكر ما لم تكن تتذكره.

أتذكر أننا في إحدي سنوات الدراسة، تحديدًا منذ أكثر من سنة ونصف، طرأ علينا تغيرًا لم يكن محسوبًا، أو كان بداعي عمل شيء له هدف بعيدًا عن الدراسة فقط، فأشتركنا جميعًا في إحدى المؤسسات التنموية تهدف إلي تنمية المجتمع عن طريق سحل بعض الشباب المتحمس في أعمال هي في المقام الأول من مهام الدولة ومشكلاتها، لكن لا بأس ببعض المساعدة التي ستحقق ربحًا، في النهاية، نفسيًا للشباب وماديًا للدولة، لكن ليس هذا ما أريد أن اتحدث عنه، أريد أن اتحدث عما كان يحدث على الجانب بالتوازي مع هذه الأعمال التنموية.

إشتراكك في هذه المؤسسات سيوسّع من دائرة معارفك بلا شك، فالمساعدات الإجتماعية تخلق ايضًا علاقات إجتماعية موازية، هذه العلاقات الإجتماعية التي تبدأ بالخط الزمني الطبيعي لها، فتبدأ كعلاقة سطحية، ثم تنتقل إلي علاقة زمالة أو تفاعل العمل، ثم علاقة صداقة قد تطول وقد تتحول بشكل مفاجئ إلى علاقة إعجاب من أحد الأطراف أو الطرفان معًا، وقد تحول، في نهاية الخط، إما إلى علاقة عاطفية أو حب، وإما أن تفشل وتعود مرة أخرى لشكلها الأصلي ما قبل العلاقة من الأساس.

وهذا ما حدث تقريبًا مع كل من أعرفهم في هذه الفترة، وحتى من لم أعرفهم بشكل شخصي، ممن يدخلون إلى هذا العالم دون ترتيب واضح، قد حدث معهم نفس الشيء، لكن ايضًا هذا ليس مقتصرًا على من بداخل هذة المؤسسات فقط، بس كل من له علاقات إجتماعية مع الجنس الأخر في أماكن الدراسة، سواء في المدارس أو الجامعات، الأمر فعلًا ليس مقتصرًا على مكان بعينه، بل على هذه الفترة، فترة نهاية المراهقة وبداية الشباب.

فترة نهاية المراهقة وبداية الشباب هي فترة مُرهقة جدًا، شديدة التأثير في النفس، فترة محمّلة بقدر ثقيل من المشاعر التي تضرب بغير ميعاد، ويعتبرها بعض علماء النفس من أهم فترات الإنسان بعد فترة الطفولة. فتجد انك وكل من حولك قد تحولتم إلى البحث عن ما تفتقدونه في هذة الفترة، البحث عن مشاعر تشعر أنها صادقة، تشعر أنك تختبرها ولأول مرة، تجد نفسك، ولأول مرة، تبحث عن نقطة التماس بين خط المشاعر بداخلك ودائرة معارفك.

نقطة التماس هي نقطة الإلتقاء بين الخط والمنحنى أو الدائرة، وهي نقطة على حدود الشكل أو المنحنى، تشترك في تماسها مع الخط المستقيم بجانبها، لكنه لا يتقاطع معها، لا يتداخل، بل فقط يمسها من الخارج، فتجد نفسك مشغولًا، في هذه الفترة، بالبحث عن هذة النقطة التي قد تتيح لك التعبير عن هذة المشاعر دون تداخل أو تقاطع بينك وبين إحدى نقاط دائرة معارفك، فقط تسمح لك بالقليل الذي يمكن أن تعتبره المطلوب في هذة الفترة، من كلمات الغزل الغير صريح، والمشاعر الغير معلنة بشكل واضح، والتخبط في الكلمات ومحاولته إختيار الكلمة المناسبة قد الإمكان، حتى لا تجد نفسك خارج حدود الدائرة، والعودة إلى نقطة الأصل الصفرية والبحث من جديد عن نقطة تماس أخرى.

ولأننا في الأصل مخلوقات عشوائية، بلا ترتيب، بلا هدف، فهذه الفترة قد تكون أكثر الفترات العبثية التي قد نقابلها في حياتنا، فترة محمّلة بقدر كبير من المشاعر الغير معلنة، ولا سبيل واضح لأعلانها لأننا لا نعرف تعريفات محددة لعلاقاتنا ولا نعرف حدودًا لها، فكيف لهذه الفترة إذًا أن تكون متزنة ومرتبة، وهذا ما حدث بالفعل، الكثير من العلاقات المرتبكة، بل شديدة الإرباك، التي نشأت، والأحاديث الجانبية، والأحاديث السرية التي يتم فضحها بسهولة لأنها ماتزال داخل حدود الدائرة، فلا توجد أسرار بداخل الدائرة إلا مع الذي يستطيع أن يحتفظ بها لأطول فترة ممكنة، فإذا خرج السر من بين اثنين لم يعد سرًا.

ما يترتب على هذة الفترة قد يكون تغيرًا في نظرتك الشخصية للأشياء، للتعريفات، للحب، للصداقة، للمسافات بينك وبين من في الدائرة، ستجد أن بعض الأشخاص سيفضلون الإبتعاد حين ظهور نقطة تماس خاصة بمشاعرهم، وستجدون الحديث، فيما بينكم سيكثر عن كيفية تعاملة معكم بعدما وجد نقطة المماس الخاصة به، فإذا فقدها يعود كطائرٍ يبحث من جديد عن السرب الخاص به.

وأنواع من هم داخل الدائرة مختلفة ومتباينة بشكلٍ واضح، فمنهم من يعجب بالأخر فقط كي يجد الدفء الذي يفتقده في علاقاته الإجتماعية الأخرى أو كتعويضًا للنقص بداخله، ومنهم من يبحث عن فرصة حقيقية، ومنهم من مر بعلاقة عابرة فاشلة في سنوات مراهقته الأولى اثرت به لدرجة جعتله يضع هذة العلاقة كمقياس لعلاقاته الأخرى المستقبلية، ومنهم من يهاب الأقتراب، ومنهم من يحتاج هذا الأقتراب كي لا يشعر بالوِحدة، ومنهم من قد يعجب دون سبب واضح لذلك.

ما رأيته في هذة الفترة المربكه كان أكتر من أن يُحمل على نحو أنها مجرد أحلام مراهقة أو بدايات ضعيفة لقصص لن تكتمل، فكل من حولك يتغيرون، حتى أنت تتغير، ولا تعرف من أين يأتي هذا التغيير، هل من هذه القصص غير المكتملة التي تترك اثرًا ولو بسيطًا في النفس، أم أنه واحد من العلامات لهذة الفترة بكل ما فيها من مشاعر غير مرتبه، لكنه يحدث في النهاية.

عمومًا لا تيأس ولا تبتأس، فلكل شيء نهاية، وأنا لا أحب النهايات، لكن لا شيء يبقى للأبد، بعض الأشياء يمكن تعويضها، وبعضها لا يمكن تعويضها، كأن يتم كسر شيء بداخل تجاة المشاعر بسبب علاقة انتهت ولم يُكتب لها النجاح. دائمًا كنت أتعجب، كيف يستطيع منير أن يقول في أغنية عمر عيني أنها كانت "أحلى بداية ونهاية" كيف أستطاع _هو ومن كتب الكلمات_ أن يجمعا كلمة أحلى مع كلمة نهاية في جملة واحدة؟ لأنه ببساطة لم يشعر أنه أخطاء، بل أنه جعل من هذه الفترة، بكل ضعفها، نقطة قوة لما سيقابله في المستقبل، فالنهايات يمكن أن تكون بالفعل جميلة، إذا أستطعنا أن نتعلم منها أن من نتائجها الحتمية الزوال، ولا شيء يبقى للأبد.

Friday, November 7, 2014

شارع المعز: حكايات من قلب قاهرة المعز وجوهرُه.

 في صيف 2012 كانت المرة الأولى التي نقرر فيها أنا وأصدقائي الذهاب إلي شارع المعز في القاهرة الفاطمية التي لم أكن أعرف عنها شيء غير أن بها عددًا كبيرًا من المساجد لهذا يُطلقون عليها بلد الألف مأذنة، يمكنك إدراك هذه الحقيقة عن طريق الوقوف أمام مسجد محمد علي في قلعة صلاح الدين بالقاهرة.

شارع المعز يعتبر أكبر متحف مفتوح للأثار الإسلامية في العالم العربي وربما في العالم، يبدأ من باب زويلة في الجهة الجنوبية منه ويمتد حتى باب الفتوح والنصر في الجهة الشمالية، وما بين البابين الكثير من المساجد التي يمكن رؤيتها لحظة دخولك إلي الشارع من أي بابٍ منهم.

                                                          




عندما ذهبت أول مرة، لم يعنين كثيرًا أن أعرف من هو المعز لدين الله الذي سُمي هذا الشارع على أسمه، فقط أردت رؤية هذه المساجد والأثار الموجودة في الشارع، لكن بعد ذهابي إلي الشارع للمرة الخامسة أو السادسة قررت أن أعرف من هو، المعز لدين الله هو رابع الخلفاء الفاطميين والذي ارسل جوهر الصقلي على قيادة الجيش لفتح مصر والإستيلاء عليها من الحكم العباسي في ذلك الوقت، ونجح جوهر الصقلي في فتح مصر وإنشاء القاهرة تقريبًا سنة 969 ميلاديًا، حيث أنشاء الجامع الأزهر أول جوامع القاهرة الفاطمية.

بعد ذلك ببضع سنوات، تقريبًا سنة 972م، ارسل جوهر الصقلي رسالةً إلي المعز لدين الله يقول له أنه يرى أن الوقت مناسبًا جدًا لأنتقاله للقاهرة، فأنتقل المعز لدين الله إلي القاهرة وأقام بها حكومةً قوية وجعلها مركزًا للحكم الفاطمي قبل أن يتوفى بعد ذلك بثلاث سنوات، تحديدًا سنة 975م، وقد سمُي الشارع بأسمه منذ دخولة القاهرة الفاطمية حتى وقتنا هذا.

ما لفت نظري عندما ذهبت أول مرّة إلى الشارع أنه كان مرصوفًا بالحجارة، لم يكن مرصوفًا بالأسفلت كما هو حال معظم الشوارع في القاهرة، علمت بعد ذلك أن الشارع قد رُصف بالحجارة في وقت ترميمه سنة 2008م، وتم كذلك ترميم الكثير من الأثار التى تأثرت بأثر زلزال 1992م.

                                                   



أتذكر أن أول ما رأيت في الشارع بعد الأبواب وبعد منطقة خان الخليلي كان مسجد ومدرسة الناصر محمد بن قلاوون، والناصر محمد بن قلاوون هو تاسع سلاطين المماليك، حكم مصر أول مرة سنة 1293م ولمدة سنة، إلا أنه جلس على عرش السلطنه مرّةً أخرى سنة 1299م، بعد خلع الملك العادل المنصوري الذي كان قد بدأ في بناء هذه المجموعة قبل أن يُتمها الناصر محمد بن قلاوون سنة 1304 وتُنسب إليه.

                                              


يُقال أن هذه المجموعة كانت عبارة عن جامع ومدرسة لتعليم أبناء أهالي القاهرة بعد أن بطش بهم الناصر محمد بن قلاوون لمدة أربع سنوات تقريبًا أمر فيها جيشه بقطع رأس من يظهر عليه أنه معترض على سياسته أو أوامره، فكانت هذه المجموعة بمثابة مصالحة منه لأهل المنطقة والتي كانت تحتوي ايضًا على مستشفى ودار لرعاية الأطفال اليتامى والفقراء.

اتذكر أنني عندما رأيته أول مرة لم يلفت إنتباهي غير واجهة المسجد الممتدة والتي يتوسطها باب مكسو بالرخام والزخارف المتناسقة بشكل هندسي شديد الإبداع، لكن بداخل المسجد لم يكن الأمر كذلك، فلم يبق من إيواناته الأربعة غير إيوانين فقط، والإيوان هو عبارة عن صحن مكشوف بلا أبواب قد تتوسطة فسقية كما هو الحال في هذه المجموعة.

                                                 


بعد السير قليلًا في الشارع بإتجاه باب الفتوح، بالتحديد بعد منطقة النحاسين، رأيت واجهة زجاجية كبيرة خلف بعض الزخارف الرخامية المزخرفة بعناية والتي تعطي للواجهة شكلًا مميزًا عن باقي الوجهات، كان هذا _كما علمت وقتها_ سبيل محمد علي باشا الذي انشأه صدقة على روح ولدة إسماعيل باشا. عند دخولك من البوابة ستجد دهليزًا صغيرًا به على اليسار فتحتان، واحدة تصعد بها إلي غرف فارغة إلا من النجف الضخم، والأخرى تنزل بها إلى خزان السبيل الذي يبلغ سعته حوالي 455 ألف لتر، أي أنه قد يكفي لملء حوالي مليون ونصف كوب ماء.

                                                 


بالسير قليلًا تجاه باب الفتوح، وبعد الدخول إلى عطفة على اليمين، دخلنا إلي بيت السحيمي، والذي سُمي بأسم آخر من كان يسكنه، هو الشيخ محمد أمين السحيمي، والبيت هو عبارة عن بيت عربي يعتبر الأن من المعالم الأثرية المشهورة للشارع، يطل البيت على صحن كبير مزروع ببعض الأشجار والنباتات، في الطابق الأرضي يمكنك رؤية المداخل المتعددة إلي البيت والتي تؤدي بك في النهاية إلى الدور الأول من البيت، عندما دخلنا أحد المداخل وجدنا إيوانًا يتوسطة شريط طويل كُتب عليه أبياتًا من الشعر عرفت بعدها أنها أبياتًا من قصيدة البردة للبوصيري على حسب ما علمت بعد ذلك.

                                               


في الدور الأول رأيت جلسة في أحد الغرف تشبه جلسة العرب يتوسطها صحنًا كبيرًا من النحاس، وبعدها غرفة لا يوجد بها غير بعد الدواليب غير المستعملة والكثير من الشبابيك المغطاه بالمشربيات والتي تطل على صحن البيت والتي أيضًا علمت في ما بعد أنها كانت مخصصة للحرملك كي تطل منها النساء على السهرات التي كانت تعقد في صحن البيت الذي يعتبر علامة مميزة جدًا في شارع المعز.

                                            


بعد إستكمال السير بإتجاه باب الفتوح، رأيت مسجدًا يبدو عليه أنه ليس من معالم هذا الشارع في شيء، فهو مسجد صغير جدًا يبدو منكشمًا وسط المساجد الضخمة حوله والتى تطل عليه من جميع الجهات، كان هذا هو مسجد الأقمر أصغر مساجد القاهرة الفاطمية على الإطلاق، واجهة المسجد هي ما يميزه، فهي واجهة مزخرفة ببعض الزخارف الإسلامية لكن إذا لم تدقق النظر بها فسوف يعطيك أنطباعًا أنك أمام واجهة معبد وليس مسجدًا.

                                           

                                       


أكملنا المسير بإتجاه باب الفتوح عندما رأيت بالقرب منه أهم وأشهر جوامع المنطقة على الإطلاق الأن وهو جامع الحاكم بأمر الله، والحاكم بأمر الله هو سادس الخلفاء الفاطميين، ويُعتبر ايضًا من أقواهم وأشدهم بأسًا وحكمًا، والذي أشتهرت عنه حكاية منعه لأكل الملوخية للعامة لأنه يعتبرها أكله ملوكي لا تليق إلا بحاكمٍ مثلة، ولم يكن هذا أغرب المراسيم التي أصدرها، فقد منع ايضًا عجن الخبز بالأرجل، وذبح الأبقار التي لا عاقبة لها أو التي تصلح للأستخدام في الحرث إلا في مواسم الأضاحي فقط.

مسجد الحاكم بأمر الله تم البدء في بناءه على يد العزيز بالله الفاطمي سنة 989م، واتم بناءه ابنه الحاكم بأمر الله سنة 1013م تقريبًا، ويعتبر هذا المسجد هو ثاني المساجد إتساعًا في القاهرة بعد مسجد ابن طولون، يقع المسجد على مساحة 120 متر طول و113 متر عرض، عند دخولي إلي المسجد أول مرة رأيت صحنًا واسعًا جدًا يتوسطة ميضة للوضوء والكثير من أسراب الحمام الموجودة على أرضيته الرخامية بيضاء اللون والتي كانت مريحة للعين بشكل كبير، أما عن المسجد فبه الكثير من الأروقة التي يمكنك السير فيها إلى أن تصل إلى الرواق المقابل لمدخل المسجد والتي يمكنك الجلوس به أو الصلاة كيفما شئت، كما يمكنك رؤية أعداد كبيرة من المهاجرين والسياح في صحن المسجد يصلون أو فقط يجلسون لألتقاط الصور في هذا المكان الرائع بحق.

                                                



بعد جلوسنا بالمسجد لمدة، قررنا الخروج والإتجاه إلى باب الفتوح للخروج شارع المعز الذي يعتبر من امتع الأماكن للخروج لقضاء وقتًا طيبًا في قلب قاهرة المعز وجوهرُه، بجوامعه ونحاسينه ودكاكينه التي تنتشر على جنباته في كل مكان.


*المصادر:
- وكيبيديا.
- كتاب "القاهرة: جوامع وحكايات" لحمدي أبو جُليّل. الهيئة المصرية العامة للكتاب.                                             


Wednesday, November 5, 2014

هكذا كانت الوحدة.

في الشهر الماضي، وتحديدًا قبل العيد، أتخذت قرارًا بالإبتعاد عن الموقع الأكثر شهرة بين مواقع التواصل الإجتماعي، لم أكن مكتئبًا، لم أكن حزينًا، لم أكن مشغولًا، فقط أردت الإبتعاد قليلًا والأكتفاء ببعض منصات التواصل الأقل كفاءة بالنسبة لي على الأقل.

ما حدث في هذا الوقت كان انني أنفصلت بشكل فعلي عن العالم، فأصبح العالم هو غرفتي، لا أعرف شيئًا مما يحدث خارج حدودها غير القليل جدًا، وبصراحة لم أكن مهتمًا أن أعرف ما يجري بعيدًا عني. ومن يعرفني جيدًا يعرف أن هذا ليس من طبعي في شيء، فقد كنت متواجدًا تقريبًا طوال اليوم على مواقع التواصل، فأنا أكره الوحدة، أكره الإبتعاد عن البشر إلا في ظروف استثنائية، عدا ذلك كنت متواجدًا تقريبًا بشكلٍ دائم.

والحقيقة إن قراري بالإبتعاد عن هذا كله لم يكن له سببًا واضحًا، فقررت أن أخلق له بعض الأسباب حتى يكتسب شرعيته كفعل مُسبب ومُعترف به، فما الأسباب التي يمكنني أن أفكر فيها كي يكتسب هذا الفعل شرعيته الكاملة؟

يقول البارون مونشهاوس في أطروحته التي شرحها الفيلسوف الألماني هانز ألبيرت أن الأفعال يمكن شرحها عن طريق ثلاثة إحتمالات للأسباب يمكن أن تكون مقبولة، الإحتمال الأول أن يكون الفعل نتيجة لتراكمات قديمة ترسبت في النفس فنتج عنها في النهاية هذا الفعل، الإحتمال الثاني أن يكون هذا الفعل نتيجة لمحاولة رجوع الشخص إلي المرحلة التي سبقت هذه المرحلة في حياته، كأن يتوقف عن حب من يحب ويعد إلي مرحلة ما قبل أن يحبهم، والإحتمال الثالث والأخير هو أن يكون الفعل يدور بداخل دائرة مغلقة، أي أنك تفعل هذا الفعل لا لشيء إلا لمجرد فعله، أي أنني أريد أن أركض لمجرد أنني اريد أن أركض.

لنعتبر أن السبب الذي دفعني للإبتعاد عن معظم مواقع التواصل الإجتماعي هو الإحتمال الأول، وأن هناك تراكمات كثيرة من قصصٍ وحكايات غير مهمة بالنسبة لي على الإطلاق، وأن هذه القصص قد كثُرت بشكل أدى إلي أنني أردت الأبتعاد عنها والتركيز في أي شيء يخصني فقط بعيدًا عن ما يخص غيري من الأشياء.

أو أنه الأحتمال الثاني، مجرد محاولة مني للرجوع إلى حالة الوِحدة التي كنت عليها قبل أن ادع القلق وابدأ الحياة وأكسب الأصدقاء وأؤثر في الناس كما قال كارنيجي، فيبدو أن كارنيجي فشل معي في إقناعي أن كسب الأصدقاء والتأثير في الناس يمكن فعله عن طريق الإهتمام بهم على حساب ما تهتم به أنت شخصيًا، فقررت ترك كل هذا، قررت ان ادع الحياة وابدأ القلق مرةً أخرى.

أو أنه الإحتمال الأخير، أنني أغلقت الدائرة على نفس فأنتقل العالم بأكمله إلي غرفتي ولم أعد أهتم بما يحدث خارجها لمجرد أنني أردت أن أفعل ذلك، ففي الحقيقة ليس هناك سببًا واضحًا لما أفعله فيمكنني إحالته إلي هذا الإحتمال الذي يبدو متماشيًا ومتناغمًا مع أي فعل فعلته في يومٍ ما وأي فعلٍ قد أفعله في المستقبل.

أما السبب الذي أريد أن أصدق أنه السبب الحقيقي وراء هذا الإبتعاد هو أنني أحاول التعوّد على الوحدة، على إنني سأكون في يومٍ من الأيام وحدي بلا أي تواصل من أي نوع، كيف سأتعامل مع هذا الظرف إذا لم أكن مستعدًا له، فالوحدة فالنهاية تعتبر ظرفًا لابد منه، لابد وأنك في يوم من الأيام ستكون وحدك، ماذا لو فُرضت عليك الوحدة في يومٍ من الأيام؟ ووجدت نفسك في عالمٍ غريب عنك، لم تألفه ولم يألفك، ماذا ستفعل حينها؟ هل ستشعر بالخوف؟

الغريب في الأمر، والذي حدث عكس ما توقعت تمامًا، وعكس الذي كان يحدث قبل شهور قليلة، أنني لم أشعر بالخوف في الوِحدة، بل وجدت بها راحةً أكثر من راحة الجماعية، فلم أشعر أنني افتقد أحدًا، وتقريبًا لا أحد يفتقدني أيضًا، لا أعرف، ولم أهتم أن أعرف، ولم يعد يعنيني هذا، ربما تكون هذه المرحلة هي مجرد مرحلة قصيرة المدى وستنتهي في وقتٍ ما، لكن في حقيقة الأمر، أنا لم أعد أهتم إن كانت ستنتهي أم لا، لكنني أتمنى لو انتهت، أن أجد ما يمكن أن يكون مهمًا، أن أجد يجعلني أهتم، أو يهتم، أو على الأقل يُظهر ذلك، عدا ذلك، ستبقى الوِحدة، ولا شيء غيرها.

Monday, October 13, 2014

8 نصائح كي تعيش شبه آمن في هذه البلد.

كل بلاد العالم لها كتالوج تعريفي عبارة عن بعض النصائح من أهل البلد لك كي تستطيع العيش بسهولة بها وتندمج مع أهلها هذه بعض النصائح التي قد تساعدك شبه أمن في هذه البقعة من بقاع الأرض التي يطلق عليها أهلها بلد الأمن والأمان، اتمنى أن تساعدك.

1- عليك أن تكون ذكرًا: 

أول خطوات النجاح في هذه البلد أن تولد ذكرًا، فهذا يمنحك بعض الأمتيازات التى قد تحرم منها كونك خُلقت انسانًا تنتمي إلي فصيلة الإناث. هذا ايضًا لن يمنحك الراحة الأبدية، ستواجه الكثير من الضغوط والمعارك الصغيرة والكبيرة وعليك التعامل معاها، لكن كل هذا لن يكون بقدر الضغط التي تتعرض له الأنثى، فالافضل لك أن تولَد ذكرًا.


2- عليك أن تكون أبيض اللون:

هذه البلد تنفي عن نفسها تهمة العنصرية دائمًا، نعم لن تعامل كما كان يُعامل السود في أمريكا في الخمسينات والستينات وما قبل ذلك، ولكنك قد يُجرح شعورك ببعض الكلمات التى قد يطلقها بعض المواطنون عليك فقط لأن لون جلدك مصبوغ بلون مختلف عن الأبيض أو القمحي، ستجد من يناديك بـ"يا زول، بكار، سمارة، محروق، فحم، كاوتش، الليلة السودة، مضلم، نهارك زي وشك" فلكي توفر على نفسك عناء هذه الكلمات عليك أن تولَد أبيض اللون.


3- عليك أن تكون متوسط الحجم:

الأفضل لك كي تعيش حياةً مريحة أن تكون متوسط الحجم، لا طويل ولا قصير، لا ثمين ولا نحيف، فقط متوسط الطول والحجم، لأن أيًا من الأحجام الأخرى يتعرض بشكل مباشر وغير مباشر إلى السخرية والاستهزاء بطريقة فجة يفترض أن تكون مضحكة، يستحسن ايضًا أن تكون ممن يمارسون الرياضات المختلفة، ويسحتسن ايضًا أن تكون هذه الرياضات عنيفة، هذا سيوفر لك قدرًا لا بأس به من الأمان، عليك أن تكون متوسط الحجم.


4- عليك أن تدين بدين الدولة:

عزيزي المواطن، كلنا سواء أمام القانون، وهذه البلد تفخر أنها وبالرغم من وجود عدد كبير من الديانات بها، ديانتان، إلا أننا في تاريخنا الحديث والقديم لم تحدث أي حروب طائفية، حتى قبل رحيل الديانة الثالثة، فنحن شعب عريق الحضارة ونعرف الأديان من قديم الأزل، ولكن بالرغم من ذلك ستجد بعض المتاعب كونك تتبع ديانة مختلفة عن ديانة الدولة الأساسية، ذلك أفضل جدًا، ولكن ايضًا كونك تنتمي إلي الدين الأساسي رقم واحد في الدولة لا يعفيك من المتاعب، فعليك الأخذ به كما هو، دون محاولة للتأويل أو التفكير، صدقني ذلك أفضل جدًا، عليك أن تدين بدين الدولة.


5- عليك أن تصادق بعد البلطجية:

لا تنزعج، نعم عليك مصادقة بعد البلطجية حتى يكون لديك ما تستطيع الأعتماد عليه في أوقات المعارك والسرقات العشوائية الممنهجة، فهذا البلطجي سيساعدك في أخذ حقك إذا ما واجهت شيًء من هذه الأشياء، عليك أن تصادق البلطجية.


6- عليك أن تصادق رجال الشرطة والقوات المسلحة:

في هذه البلد البشر طبقات، فأذا أردت أن تبقى في طبقتك بأمان دون المساس بك فعليك أن صديقًا لأحد رجال الشرطة أو القوات المسلحة، لا شيء يستطيع ايقافك إذا كنت صديقًا شخصية لأحدهم، لا الطوابير ولا موظفي الحكومة ولا اللجان الأمنية ولا أي شيء، صدقني الأشياء التى ذكرتها بالرغم من أنها تبدو غير مقلقة إلا أنها تشكل هاجسًا عند كل مواطن في هذه البلد، فالأفضل لك تجنبها، عليك أن تصادق رجال الشرطة والقوات المسلحة.


7- عليك ألا تكون غنيًا ولا فقيرًا:

الثراء والفقر، إذا أستُخدموا لنفس الأغراض، يصبحون وجهان لعملة واحدة، لكن الفارق أن الثراء ينجي صاحبة من بعض المهالك التى قد يتعرض لها الفقير، ولكن في النهاية الأثنان يُقتلون، يسرقون، يقتلون، يرتكبون الفواحش بسهولة وبمعدلات متوفرة، فأذا أردت أن تنجي نفسك من المتاعب عليك أن تكون من الطبقة المتوسطة العليا، تمتلك ما يزيد عن قوت يومك ويساعدك على شراء ما يزيد عن حاجتك، فتكون بذلك حجزت مكانًا لك في أفضل طبقات المجتمع، لهذا تذكر دائمًا، عليك ألا تكون غنيًا ولا فقيرًا.


8- عليك أن تكون اسفنجة:

هذه أخر نصائحي لك، عليك أن تكون اسفنجة حتى تمتص الصدمات ولا تنكسر ابدًا، فما ستراه في هذه البلد قد يفوق عقول كُتّاب أفلام الخيال العلمي والغير علمي، سترى أشياءًا لا يمكن أن تحدث في مكان في العالم إلا هذه البلد صانعة الحضارة والتاريخ، فأمتص الصدمات بهدوء ولا تنفعل ولا تنزعج ولا تفكر ولا تغضب، فقط عليك إمتصاص ما يأتيك من صدمات وتحويلها إلى شعور من اللامبالاه، عليك أن تكون اسفنجة.


هذه ما أسعفني عقلي على تذكرة من ربما مئات النصائح التي أردت توجيهها لك، ولكن أعلم أن هذه هي النصائح الأساسية والتى ستطابق إذا أردت أن تسأل ايًا من أهل هذه البلد عن نصائح، فأفعل بها، وأحفظها في درجة حرارة مناسبة وبعيدة عن متناول الأطفال، اتمنى أن تستمتع بالإقامة في هذه البلد، اتمنى ذلك حقًا.

Friday, October 3, 2014

وفينك؟

عزلة مؤقته، وحنين لأشياءٍ مضت وولت ولن تعود، سئمت الأشياء جميعها، التفاصيل، والبشر، وحتى الكلام، وما تبقى في الذاكرة، سئمت كل شيء، ما الذي يمكننا فعله إذا؟ لا شيء، فقط علينا الأنتظار حتى يتسنى للزمان أن يسمح، وللظروف أن تعطف، وللقلب أن يكون رحيمًا.

أقرر فجأة وبدون مقدمات أن أستمع إلى أغنية شجر الليمون، تبدأ الأغنية بتساءل عن الوقت "كام عام ومواسم عدوا؟" أدرك بعض الأشياء متأخرًا، وأفقد الأحساس تمامًا بالوقت، تتراكم علينا الهزائم المتتالية، هزائم بلا معارك ولا صراعات مع أي شيء، مجرد هزائم متواجدة بفعل عقارب الساعة، فالجلوس دون فعل أي شيء والوقت يمر يعتبر هزيمة، تعود بعدها لتسأل عمّا جرى، وعن الوقت الذي مر، وهل ستستطع اللحاق برِكابه.

"وفينك؟" وهو السؤال الأصعب، عن أي شيء نسأل؟ في الواقع الكثير من الأشياء، ولكن تحديدًا لا نعرف عن أي شيء نسأل، عن الغائب الحاضر الذي لا يحرك ساكنًا في وجودنا كما لو كنّا يومًا سراب، عن الحلم الذي كان ولا نعرف له طريقًا، عن البدايات التي لم تكتمل، عن من سيأتي ليعطي لكل شيء في الحياة معنى، لا يهم عن أي شيء نسأل، الأيام تمر وتنقضي، نعبر فوق الأحزان كما نعبر فوق الأفراح، ولا شيء يبقى.

"وفينك؟" هذه المرّة نسأل بشكل أكثر تحديدًا، نسأل عن الحبيب بشكلِ مباشر، الحبيب الذي رحل فجأة دون أن يترك وراءه أثرًا نقتفيه، وبالرغم من ذلك لم نحاول أن تبحث له على أثر، فقط انتظرنا،
 فضلنا الأنتظار لأننا سئمنا البحث، وساءت الأحوال أكثر، فأصبحنا بدونه في حيرةٍ من أمرنا، لا نعرف إن كنا عقلاء أم مجانين، لكن ما نعرفه حقًا أن الدنيا رحايا، وقلوبنا أحبت الحب، ولكننا مازلنا نسأل، ومازلنا ننتظر.

في الأنتظار، يسرقنا الوقت، فلا نستطع حماية الأيام منه، تمر الأيام أمامنا، سئمنا الأنتظار كما سئمنا البحث، لا شيء يجدي نفعًا، والشغف في كل شيء يقل أكثر فأكثر، ويختفى الضيّ من العيون، لكننا مازال بداخلنا إيمانًا أنك ستأتي يومًا ما، لهذا سنبقى، وسنظل ننادي، فهل ستسمعنا؟ .. وفينك؟

                                 
                                            

Saturday, September 13, 2014

لقطات مجمعه من حياه عاديه.

                                                          




أراها، تجلس في هدوء، عاقدةً ذراعيها، لم تضع ساقًا على ساق كما تفعل الأخريات، هادئه، ربما يجذبني الهدوء دومًا، قسمات وجهها توحي بالبراءه، وأكثر ما أخافه البراءه، من عرفتهم بالبراءه صاروا _بعد وقتٍ قليل_ أكثر الناس بعدًا عن البراءه، لكنها تبدو مختلفه، أراها دائمًا مع صديقاتِها، هم أكثر بجاحةً وقبحًا فى شخصياتِهم لمصادقتها، فلماذا تصر على أن تصادق مثل هؤلاء؟ فيرد عليّ جانبي المظلم: "لكي تظهر أكثر براءةً وهدوءًا".

_______________


لم أفهم يومًا قصة المسافات، في البُعد أشتياق غير معلن وفي القرب تنافر غير مبرر، تتحدث كثيرًا ولا أهتم، تسأل عليّ دائمًا، أطمئن لوجودها فأشعر بأن وجودها لا نهايةَ له، تتحدث ولا أرد، لأوقاتٍ طويله، فرحًا لكنني لا أبدي هذا الفرح علنًا، فجأه تتوقف عن الكلام، فأتساءل لماذا توقفت عن الكلام؟ هل أخطاءت فى شيٍء ما؟ فأبدأ أنا بالحديث، وتبدأ هي بالصمت.

_______________


يحدثني صديقي عن الموضوع الذى أخشى الخوض فيه، يحدثني كثيرًا وتلمع عيونه، فأنصحه بأن يتوقف، وأن هذا الشيء غير مناسبًا له، فيسألني لماذا فلا أجد جوابًا غير "لمصلحتك". عندما بدأت الوقوع في نفس ما هو واقعٌ فيه، كانت نصيحتي له أن يكمل طريقه، وبعد فتره مربكه، عدت فى أولها ناصحًا له بأن يتوقف عن هذا الشيء، لكن بعد مرور هذه الفتره لم أعد أنصحه بشيء، فقط يحكي لي وأنا ابتسم.

_______________


نتحدث لساعات طويله، ابوح بكل شيء، جميع التفاصيل، تنتقل التفاصيل منّي إليها، وإلى أصدقائها، ومن أصدقائها إلي أصدقائي، وتظل التفاصيل تدور في دائره مغلقه، حتى تم إهمالها، بعدها أصبحت أحتفظ ببعضها لنفسي، دون البوح به لأحد، أبوح بكل شيء، عدى بعض التفاصيل التى تظل بعيده عن متناول الجميع.


______________


تجلس بجانبي، تبدأ فى الحكي بشكل مباشر، عن الحياه وزوجها الذي أخذ الكسل والنطاعه حِرفه، وتعبها وحِملها للمسؤوليه وحدها، عن ابناءها الذين خاضوا معركة الثانويه العامه تِباعًا بشكلٍ متتالٍ، تحكي عن كل هذا وفي عينيها دمعه، وما أن تذكرت نجاح ابناءها حتى ابتسمت وقالت الحمدلله على كل شيء، وتوقفت عن الكلام.


______________


اقابل صديقي القديم وزميل المدرسه فى الطفوله، نفتح صندوق الذكريات، نتبادل الحديث عن ذكريات الطفوله، يفتح هو صندوق الأسرار، فأسكت، ويبدأ هو بسرد سير الخيال، حب مدرسة اللغه الأنجليزيه وتمني موت زوجها حتى يتزوجها هو، محاولته المتكرره للنظر بداخل حمام البنات، فشله فى لفت إنتباه زميلتنا فى الفصل، ونجاحه فى لفت إنتباه صديقتها التي لا يحبها، نضحك كثيرًا، ونترحم على بساطه هذه الأيام.


______________


أراه يتحدث معها، تباغتني غصه فى القلب على حين غفله، لماذا يظفر بها هو وأنا أقف مكاني أشاهدهما؟ أعرف أن الحقد مُهلِك، ولكني سئمت الفشل، أو الِفته، لا أعرف. رأيناها فى نفس اللحظه تقريبًا، ثِقل قلبي أحال بيني وبينها، فوصل هو أولًا، وبقيت أنا فى مكاني لا أتحرك.




Thursday, September 4, 2014

"إنك تعلم أن الشعب لا يريحه أن تكون له إراده، وهو يوم يراها فى يده، يسرع فيعطيها لبطل، من نسج أساطيره، أو لإله مدثّر بغمام أحلامه، كأنما هو يضيق بحملها، ولا يقوى على الأحتفاظ بها، ويود التخلص منها وطرح عبثها"

- الملك أوديب (توفيق الحكيم)

Friday, August 22, 2014

رحلة البحث عن كابتن مصر.

  



(1)

قررنا الدخول إلى فيرجين ميجا ستور بعد يومٍ طويل من السير فى جميع أدوار المول، حتى أدوار السنيما التى لم ندخلها، عادةً ندخل إلى فيرجين كي نعبث بالأجهزه المتاحه للتجربه، ومشاهدة الشاشات العملاقه  ذوات النقاء العالى والدِقّه الفائقه، تستطيع أن تري أدق التفاصيل عن بُعد، ولما لا فمن يستطيع دفع مبلغ ربع مليون جنيه فى شاشه يستطيع رؤية أي شيء إذا أراد.

لأول مره، قررنا التوقّف عند الرفوف التى تحمل أشياءًا ورقيه لا تمت إلى التكنولوجيا التى تملئ المكان بشيء وتسمى الكُتب، لم نلتفت إلى رف الروايات، ولا الكُتب الحديثه، ولا الأعلى مبيعًا، هناك رف للكُتب الساخره وهذا ما نحتاجه حاليًا، أول مكرر؟ عمّا يتحدث هذا الكتاب، يقال أن أسم الكاتب "هيثم دبور" وهو أسم شخصية أحمد مكى فى مسلسل تامر وشوقيه، إذًا هو صاحب الشخصيه الأصلى، وهو مؤلف ايضًا، لنرى ماذا يقول، يتحدث عن الجُمل المكتوبه على أبواب وحوائط الحمامات، انه مضحك حقًا، فقرر أحد أصدقائى شراء الكتاب.

أتحرّك يمينًا ويسارًا كأننى اراقب حركة الكُتب واتأكد انها فى أماكنها الصحيحه، تقع عينى على كتابٍ آخر "كلام أبيح جدًا" ابتسمت ابتسامه خبيثه، هذا ما احتاجه بالضبط، قررت فتح الكتاب، اتنقل بين صفحاته "فين يا عم الكلام الأبيح اللى بتقول عليه؟"، انه يكذب، فهذا الكتاب لا يحتوى على أى كلام أبيح، لمحت وأنا أضع هذا الكتاب كتابًا يحمل صورة رجل ميلودى وبطاقه شخصيه، من عمر طاهر هذا ومن كابتن مصر؟ قررت أن افتحه لأعرف من هو كابتن مصر، لكن كان قد حان وقت الرحيل، فرحلنا وتركته دون أن أعرف من هو كابتن مصر.

(2)

أشعر بالضجر، اتنقل بين القنوات علّني أجد ما قد يزيح عنّي هذا الضجر، انتظر، من هذا المذيع الذي يشبه رأس البطاطس؟ ضحكت كثيرًا، كيف لمذيع أن يكون بهذا الشكل؟ يرتدى النظارات واقرع؟ مذيع أقرع؟ ألم يكن عمرو أديب كافيًا حتى يأتوا لنا بآخر من نفس نوع الدماغ؟ والبرنامج اسمه (مصرى أصلى) لا ما هو واضح.

اقرأ على التترات، إعداد وتقديم عمر طاهر، من عمر طاهر؟ لا اتذكر أحدًا بهذا الأسم، لابد أنه مذيعًا جديدًا، "هى المشرحه ناقصه؟" لماذا لم يأتوا بشخصًا آخر مقبولًا على الأقل لكي يكون مذيعًا، لماذا لا يتعلمون من تامر آمين مقدم برنامج البيت بيتك؟ لابد وأن له واسطه فى الأذاعه والتلفزيون، اللى له ضهر يا عم عمر .. وعجبى.

(3)

بدأت القراءه، أحببت أن اتعرف أكثر على ما تحتويه هذه الكتب، انزل إلى السور لأول مره بصحبة صديق، كنت قد سمعت عن أسم باولو كويلو وروايته ذائعة الصيت "الخيميائى"، اقلّب بعينى فى الرفوف، ما هذا الكتاب؟ الكلاب لا تأكل الشيكولاته؟ طبعًا مش كفايه اللحمه؟ أهذا حقًا كتابًا نزل إلى الأسواق بهذا الأسم؟ لهذا السبب الناس لا يقرأون.

تجاهلته وأشتريت بعض الكتب، قررت أن اتصفح موقع جوود ريدز وأعرف أكثر عن الكُتب التى أشتريتها، تقع عينى على أسم كتاب، تانى؟ الكلاب لا تأكل الشيكولاته تانى؟ لماذا يطاردنى هذا الكتاب؟ أنا لا أريد أن أعرف لماذا لا تأكل الكلاب الشيكولاته، ولكننى إذا أردت أن أكون مثقفًا يجب أن أعرف كل شئ، لا ضرر من أن أخذ فكره عن الكتاب، أسم الكاتب عُمر طاهر، أهلا وسهلًا، هناك شخص كتب أن الكتاب رائع، وآخر كتب أن الكتاب هو أفضل ما كتبت، وآخر كتب انه أسوء كتاب قرأه فى حياته، لكن من الواضح أن معظم الناس أعجبهم الكتاب، قررت قراءته والحكم عليه بنفسى، لنرى يا عم عمر كتاباتك.

(4)

يقول عمر طاهر على لسان صاحبه برما: "
الجمال لا يكمن فى الأشياء يا صديقى، ولكن يكمن فى المتلقى، ووجود القبح يدربك على البحث عن الجمال، لأن الله جميل فهو يحب الجمال، لو كانت الجملة "الله يحب الجمال" فقط لكان هذا يعنى أن فى خلقه ما هو جميل وما هو قبيح، وبالتالى فهو يحب الجمال ولا يحب ما دونه، لكن الله جميل فهو يرى الجمال فى كل شئ حتى ما تعجز أنت عن رؤيته، لأنك لست جميلاً بالقدر الكافى"

ويقول ايضًا "
المبالغة فى الكراهية عندنا تقود البعض إلى الوقوف فى الجهة المقابلة .. دون أن ينظر احد اسفل قدميه ليرى اين يقف" ثم يُكمِل "راجع اختياراتك في الحياه لتعرف انك علي باب الله زي حالاتنا، وانك لا تمتلك كتالوج الاختيارات النموذجيه وليست لديك نسخه من الاجابات النهائيه لكي تحكم من خلالها علي اختيارات الاخرين"

وأخيرًا يقول "
مع كل خطوة في عمق الحياة يعيد الإنسان اكتشاف نفسه، وأهم اللحظات في حياة الواحد مرتبظة باكتشاف كم تغيرت علاقته بالأشياء الثابتة من حوله، مع كل محطة جديدة تعرف عن نفسك ما لم تكن تعرفه من قبل وبمرور الوقت تكتمل الصورة ."


(5)

حاليًا، قرأت معظم ما كتب عمر طاهر، قديمًا وحديثًا، ماعدى دواوين الشعر الذى لا افهمه، لكن هذا الرجل يقول كلامًا ينفذ إلى القلب دون رقيب، اتابع مقالاته فأرى فيهم ما لا أراه حولي، رجل يعرفنا جيدًا، يتحدث عنّا جميعًا، يعرف نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا، بعض اللحظات تشعر أن عمر طاهر قد كُشف عنه الحجاب، يرى ما لا نراه فى أشياءٍ بسيطه قد لا نعتبر وجودها من الأساس، لكن عمر طاهر يراها.

قالوا قديمًا "ما محبه إلا بعد عداوه" وأنا أقول ما محبه إلا بعد قراءه يا عم عمر، وكما قال عمنا نجيب محفوظ "ما أعرَف أولاد حارتنا بالحكايات، فما لهم لا يقرأون (يستمعون) إلى عمر طاهر؟".

Wednesday, August 20, 2014

نقل الذكريات من العقل إلى المسودات. (رحله فى ممر الذكريات)

قررت السير فى ممر الذكريات وحدى، دون الحاجه إلى رؤية شئ يذكرنى بذكرى مضت، فقط اردت تذكّر بعض الأشياء، لحظات البطوله فى مقابل خيبات الأمل، لحظات الفرح فى مقابل الحزن الذى يحل فجأه دون سابق إنذار، لحظات قد تتذكرها ولا تعرف كيف تصنفها، ولكنها فقط لحظاتٌ مرّت ولا جدوى من محاولة تصنيفها.

فى أول المنعطفات قابلتُها، كنت قد رأيتُها من قبل فى صوره على الفيس بوك، اسرنى شكلها البرئ، الطفولي الهادى، وابتسامتها الصافيه، والغمازات على جنبات ثغرها، فتحركت مشاعرى تجاهها كمجذوبًا منجذبًا لرائحةِ شئ ما يحبه، ذات العيون العسليه الواسعه أصابتنى بسهمٍ مباغت، ولا سبيل للهرب من ذلك.

سألته "مين دى؟" فأجاب "دى .... معانا فى الجامعه." فتحدثنا قليلًا عنها، وقال انه يمكننى رؤيتها ليلة رأس السنه، فذهبت يومها ورأيتها، ورأيتها مرّة أخرى فى عيد ميلاد، ولكننى تصرفت بغرابه شديده منفره لشدة ارتباكي، لم أكن أعرف ما عليّ فعله حينها، فقط لم أتحدث معها، ولكننى كنت أنظر لوجهها بين الحين والاخر، فلما التقت أعيننا وجدتها ترتبك وتنظر بعيدًا، لم أكن أعرف ان عليّ الحد من النظره التى تشير إلى اننى قاتل ينتظر ان تفرغ من ما تأكل حتى يتسنى له الوقت لقتلها.

عدت إلى البيت سعيدًا فرحًا بما حققته حتى الأن، نعم نظرت لها ونظرت إلي، والأن .. ما العمل؟ نعم، إضافتها كصديق، ضغط على اسمها وبعد ذلك زر "إضافة صديق"، وانتظرت، أسبوعين كاملين، أو ربما كان أكثر، فأكتئبت، لماذا لم تجب على طلب الصداقه؟ هل قيل لها شئٌ عنّى من أحد، لا أعرف، ربما حدثها صديقى الذى عرفت فيما بعد انه كان معجبًا بها، ولكننى قررت أن أخرج من هذه الحاله، فذهبت مع أصدقائى إلى حفله غنائيه، فأدخل لأفاجئ بها تقف مع صديقى وشخصًا آخر، خيانه! نعم هى خيانه مكتملة الأركان، فها هى تقف معه بعد أن اتفقا على تحطيمى، سوف أرحل قبل أن أفقد أحترامى لنفسى أكثر من ذلك.

خرجت من هذا المنعطف بضحكٍ لا مثيل له، بعض الذكريات ربما تؤلمنا فى وقتِها، لكنها بعد ذلك تتحول إلى ذكريات مضحكه تهوّن علينا لحظات الآلم.

اترك هذا المنعطف لأدخل بعده فى المنعطف الأخر، ما الذى آتى بي إلى هنا؟ سأركض إلى باب الخروج، لا شئ هنا أريد أن اتذكره، حاولت الركض لكننى كنت بطيئًا كالعاده، فأمسكت بي بعض الذكريات، نعم، أعجبت بها، ونعم كانت مرتبطه بصديق لي، ونعم لم أحدثها فى هذا طوال هذه السنين، ونعم كنت مقربًا منها فى لحظاتٍ كثيره، وبعيدًا ايضًا فى أوقاتٍ أخرى، أوقاتٍ طويله، لم نتحدث، أقابلها صدفه فأبتسم، ولا اتكلّم، الصدف بالنسبة لي شئ مُربِك جدًا، لا أحب الصدف كثيرًا ولا المفاجأت، وأصاب بضعفٍ فى الكلام عند مواجهة أحدهما، فلا أتحدث ويهرب منّي الكلام دائمًا.

أحاول الهرب، أنجح بصعوبه، فأدخل بعدها إلى المنعطف الثالث، أرى طفلًا بدينًا بخدودٍ بضّه متورّده، يرتدى قميصًا ابيضًا وبنطالًا رمادى اللون، وربطة عُنق نبيتى، هذه الخدود تلاعبها بسخافه إمرأه طويله ترتدى فستانًا مزهّرًا، والطفل لا يضحك، لا يوجد على وجهه الممتلئ أى تعبيرات تُذكر، دققت النظر قليلًا به، نعم، انه أنا، وتلاعب خدودى مدرستى للغة الأنجليزيه فى الصف الرابع الأبتدائى، حسنًا، لنكتفى بهذا القدر من الذكريات، سأحاول الفرار قبل لحاق أحدى هذه الذكريات المتربصة بي، لا اريد الأن مزيدًا من هذه الذكريات.

Tuesday, August 19, 2014

ما جناه اليكس.




منذ أيامًا ليست بالبعيده، كان إنقطاع الكهرباء شئ يُفرح الأطفال، يهللون عند إنقطاعه وعند رجوعه، لأنه كان شئ نادر الحدوث، لذلك كانوا ينتظرون إنقطاعه حتى يبدأوا فى عمل الأصوات المرعبه ومحاولة أخافة من يخاف منهم، أو تلاوة قصص الرعب التى يعرفونها عن طريق كبار السن أو خيالهم الواسع عن ما قد يرونه فى الأفلام الأجنبيه.

أما الأن، فإنقطاع الكهرباء لم يعد بالشئ المُفرح، لا للأطفال ولا للكِبار، لا عند إنقطاعه ولا عند رجوعه، بل أصبح يشكل عبئًا ثقيلًا على جميع أفراد الأسره، الأجهزه تتعطل، الطعام يفسد، العرق يأكل أجسادنا فلا نستطيع النوم، فلا النوم أصبح مريحًا ولا الأستيقاظ.

ولكن ما الذي يحدث حقًا؟ هل حقًا هناك ضعف فى موارد الدوله؟ زيادة سكانيه وتوسع يقابلها قله فى الموارد الطبيعه، أم أن الدوله تحاول قمع المواطنين عن طريق الإنقطاع الدائم بصوره مستفزه عنهم؟ لم اؤيد نظرية الموامره فى حياتى قَط، لكنها فقط محاوله للتسليه فى ظل إنقطاع الكهرباء الأن.

منذ فتره قرأت مقالًا عن أن البشر فى مصر الأن أصبحوا اكثر شراسه تجاه بعضهم البعض بشكل لم يكن متوقع، ويرجّح كاتب المقال إلى ان السبب هى الحاله النفسيه السيئه والضغط العصبى والكبت الذى يعانى منه جميع البشر تقريبًا فى مصر، فيمكن أن تجد خبرًا يقول أن هناك من قتل جاره بسبب ركنه للسياره، أو من قتل زوجته فى نهار رمضان بسبب أنها لم تُحضّر طعام الإفطار، أو بسبب مبلغ ضئيل من المال.

لم يعد المواطن يتأهّب فقط لمعاركه الكبيره، بل أحاطت المعارك الصغيره به من كل جانب، فأصبح خروجه إلى الشارع يمثل معركة، ومحاولة لحاقه لوسائل المواصلات معركة، نجاحه فى رجوع بيته سالمًا معركة، فأصبح ينفعل لأقل شئ، ويتقاتل على أشياء ربما تكون فى نظر عموم الناس شئ تافه لا قيمة له. فما الذي يمكن أن تفعله الدوله تجاه شخص بهذه الشراسه؟ وجب تأديبه.

إذا كنت على درايه بطريقة تربية الكلاب فستعرف جيدًا ما اتحدث عنه من تأديب الكلب وجعله مُطيعًا لك صاغرًا لكل أوامرك، لأن شراسته ستكون مفيده لكن فى لحظات لكنها مُضره فى معظم الأحوال، فتأدبه عن طريق بعض الحركات والكلمات التى تقولها له، تعلمه كيف يجلس بكلمه، وكيف ينبطح على بطنه بكلمه، وكيف ومتى يزمجر ويعوي على من تريد بكلمه، فتسطيع أمتلاكه حقًا حينها.

هناك ايضًا فيلمًا (رواية) يدعى "Clockwork orange" تأليف انطونى برجيس واخراج ستانلى كوبريك، ويتحدث عن شاب اسمه اليكس وهو رئيس عصابه من العصابات التى سيطرت على الشارع فى لندن، فجابوا الشوارع يغتصبون النساء ويضربون الماره ويتحرشون بهم بلا أدنى سبب، وفى يوم من الأيام قرروا الدخول إلى بيت مؤلف واغتصاب زوجته أمامه كنوع من التسليه، بعدها يتورط اليكس فى قضية قتل امرأه، عندها أستشعرت الدوله الخطر من أستفحال هذا الشخص فقررت معاقبته.

قبضت الشرطه على اليكس وقررت علاجه بطريقه جديده، وهى تحويله من شخص شرس إلى شخص وديع مُطيع لا يستطيع حتى النظر فى وجه الماره فى الشوارع، فأرغموه على مشاهدة أفلام عنيفه وجنسيه بلا إنقطاع مع حقن تسبب له الغثيان والمرض، فترتبط لديه شهوتى العنف والجنس بالغثيان، والنتيجه كانت تحويله فعلًا إلى كائن مُطيع لا يستطيع على حمل عصا خشبيه حتى.

لن يستطع اليكس بعد ذلك اغضاب الدوله، بل لن يستطع اغضاب احد، فقد قامت الدوله بتهذبيه إلى حد انه شعر انه لا مكان له فى هذا العالم، لا شئ يمكنه ان يفعله تجاه ما يحدث حوله، لم اتعاطف مع اليكس عندما أستفحل قوته واراد ان يفتك بكل شخص يقابله، ولكن وجوده على هذا الحال لا يسر ايضًا، كان يمكن تحويل اليكس إلى شخص صالح يفيد الدوله حقًا، لكن ليس هذا ما تريده الدوله، ليس هو ما تريده.

ما حدث لاليكس هو ما يحدث لنا فى هذه الأيام من فقد لأنسانيتنا عن طريق محاوله قمعنا والقضاء على ماتبقى لدينا من عقل، يريدونا كما ارادوا اليكس، كائنات مطيعه وديعه لا ترفع حتى صوتها على غيرها، ولا تفكر الا فى اقل حقوقها، ككلاب الحديقه لا يهمها إلا اكلها والمأوى فقط، وأطن أن محاولة نزع صفة الشراسه عنّا تتم بنجاح الأن.
   



Sunday, August 17, 2014

"كيف انتهى الأمر بحارتنا إلى هذه الحال؟ وإنى لأتساءل عما ابقى آبائنا _أو عما يبقينا نحن_ بهذه الحاره اللعينه؟"

- نجيب محفوظ (أولاد حارتنا)

Friday, August 15, 2014

الكبار ايضًا _كبيتر بان_ يستطيعون الطيران.


(1)

"- الأن نحن نجلس فى مزرعتك "نيفرلاند" لماذا أطلقت عليها هذا الأسم؟ لماذا "نيفرلاند" تحديدًا.
-- نيفرلاند هى الأرض التى جاء منها بيتر بان، الطفل الذى لم يكبُر ابدًا.
- اتحب بيتر بان؟ الا تريد أن تكبُر؟
-- نعم، أحب بيتر بان كثير ولا أريد أن أكبُر، نعم اننا نتقدم فى العمر، ولكن العمر بالنسبة لي مجرد أرقام، يقاس تقدم العمر عندى بتقدم عمر القلب، فعندما يشيخ القلب يشيخ الأنسان، وأنا قلبى كبيتر بان، لا يشيخ ابدًا."

- مايكل جاسون من أحدى اللقاءات قبل وفاته بأعوام.

(2)


بين ليلةٍ وضحاها أصبح الكثير من البشر يعرفون من هو (مايكل جاكسون) الطفل ذو الخمس أعوام، واقفًا بين أخوته الذين يكبرونه سنًّا يرقص ويغنى، وقد أصبح هو نجم الفرقه المحبوب فى غضون أعوامٍ قليله، لم يمر (مايكل جاكسون) بالمراحل العاديه التى مر بها أى طفل، فكان يستيقظ من نومه ليتمرن على رقصه جديده أو أغنية سيؤديها فى حفلة قريبًا.

(3)

"- إحكى لي عن والدَك، هل كان حقًا يضربك كما قُلت سابقًا؟
-- نعم، كان يضربنى كثيرًا إذا لم اتقن رقصةً ما أو خرج صوتى نشاذًا بعد أكثر من ثمان ساعات غناء.
- هل كنت تكرهه؟
-- نعم، فى هذا الوقت كنت أكرهه، أكرهه بشده لأنه كان دائمًا يضربنى ويسخر من كبر حجم أنفى، كان يريدنى أن أكون أفضل ولكن لم أكن أحتمل كل هذا الضرب."

- مايكل جاكسون

(4)

لم يكن مايكل جاكسون مراهقًا عاديًا، فقد كان فى هذا الوقت نجم فرقه "جاكسون 5"، كان يحكى إنه ذات مره جاءته إحدى الفتيات وطلبت منه التصوير وعندما اقتربت منه تغير تعبير وجهها امتعاضًا وقالت "لم أكن اعرف أن وجهك مليء بالحبوب"، لا يمكننى تصور ما عاناه فى هذه اللحظه من ألم، بعض المراهقين ينتحرون بسبب كلماتٍ كهذه.

لم يعش مايكل جاكسون طفولته، لهذا ارتبط ببيتر بان، الولد الذى لا يكبُر ابدًا، فهذا ما كان يريده، أن يظل طفلًا، لهذا انشاء فى مزرعته مدينة ملاهى كبيره، ووضع بها شجره لكى يجلس عليها ليكتب اغنياته كمراهق فى الخامسة عشر، وعربه ايس كريم والكثير من الشخصيات الكارتونيه.

(5)

"- فى النهاية أحب أن اسألك، ماذا ستفعل فى الأيام القادمه؟ ألديك مشاريع تعمل عليها الأن؟
-- نعم أعمل على التحضير لجولة الحفلات القادمه "This is it"."

(6)

فى شهر يونيو من العام 2009 وبالتحديد فى الخامس والعشرين من الشهر، مات (مايكل جاكسون) وانتشر خبر وفاته فى كل مكان، نعاه بشرًا من جميع انحاء العالم، بعض البشر لا تحدهم حدود من أى اتجاه، فهم فى كل مكان، فى كل مكان.

بعض الأشياء تستمد قوتها/سحرها/جمالها من عدم إكتمالها، فإذا اكتملت ضاع بريقها.


   

Wednesday, August 13, 2014

فى حضرة الليل والذكريات.



لا أعرف بالضبط من المتحكم فى الجزء المسئول عن الذاكرة فى عقولنا، ولكننى حقًا أريد ان أعرف ماذا يريد منّا بالتحديد، لماذا يذكرنا بما لا نريد تذكره فى هذه الساعات المتأخره من الليل، يغالبنا النعاس ونغالبه، تنغلق الأجفان بحثًا عن بعض الراحه مما ترى، فتتذكر ما حدث بينك وبين من قابلتهم فى سنين حياتك المدرسيه، مشاهد متتاليه كشريط كاميرا قديمه، السقطات والسوءات والعِبر، وسنوات التغيير وما تبعها، لا أريد أن اتذكر كل هذا، حقًا لا أريد.

نعم، أتذكر جيدًا عندما كنت مولعًا بتامر حسنى، وقصات شعره، وطريقة تحدثه، وكل شئ عنه، أتذكر عندما آتى صديق والدى ليزورنا ذات مره، وكنت على صفحة محبى تامر حسنى وأقسم اننى شُفيت من هذا شفاءًا لا يغادر سقمًا، فقال له والدى "تامر حسنى يا سيدى، هنعمل ايه بقى؟ شباب الـليّام دى!" فجلس الرجل وتحدث طويلًا عن ابنه الذى كان يعشق عمرو دياب فى التسعينات وكان يشترى ملابسه ويقلد قصات عمرو دياب، وتبع قصته بـ "هى بس الموضه كده الـليّام دى!".

لم أكن اتصور يومًا أن هناك واحدًا من شباب الـليّام دى يمكنه أن يسمع أغانى "أم كلثوم" أو يحب ألحان الموجى وبليغ حمدى، وأشعار رامى وأحمد شوقى، كان هذا مستحيلًا، حتى سماع منير كان مستحيلًا بالنسبة لي، فشباب الـليّام دى دائمًا تافه، مثله مثل ما يحبه ويمثله، أغانى تامر حسنى وأفلامه وحفلاته، حسام حبيب وحاتم فهمى ورامى صبرى، المزيد من قصات الشعر والموضه، لا شئ أصيل، لا شئ ذو ثِقل، فقط تفاهه من النوع النقى، هما دول شباب الـليّام دى.

تسألت كثيرًا لماذا لم ينقل لنا الآباء ما مروا به دون نظرة الأستعلاء هذه، لماذا يتهموننا بأننا تافهون أو متخبطون وهم يحملون وزرًا ويشاركون يذنبٍ فى هذا، هذا الجيل الذى لم يترك لنا مجالًا للأختيار، فقط فرض الفرائض وعلينا تأديتها، كنت أشعر وكأنهم يتعمدون أن يتركوننا لهذه التفاهه لكى يرضوا جزءًا بداخلهم يقول أنهم جيلًا أفضل، أنهم الجيل السامى ونحن حفنه من الفشله العاجزين عن تحقيق أى شئ.

هذا الجيل الفاشل هو من أعطى لهذا البلد شكلًا فى السنوات الأخيره، ولولا وجود هذا الجيل البائس من الكِبار لتغير شكل البلد حقًا، لو انه فقط تُرك له حرية الأختيار، لماذا لم يدعونا نفشل وحدنا، ونتعلم، لماذا يفرضون علينا ارائهم بداعى الخوف علينا، أو معرفتهم بالحكمه من وراء كل شئ، يمكن ان تصيب اراءهم فى بعض الأحيان، ولكن هذا الوقت ليس وقتهم، فمن الأفضل أن يتركوه لأهله.

الوقت يجرى والخروج من طريق الذكريات صعبًا، كفاك لعبًا بذاكرتى الضعيفه واتركها لي يا من تتحكم بها، فأنا أعرف كيف اديرها.

Tuesday, August 12, 2014

فى الانتظار.



لم يعد فى وسعى الأنتظار، كرهت الأنتظار، دائمًا يثقلنى بهمومٍ وافكارٍ لا اريد ان افكر فيها، ومع ذلك اجدها تحيط بى من كل جانب كقطيع من الذئاب المفترسه، تفتك بى فى كل لحظه تمر، تنهك ما تبقى من الذاكره لدى بتذكر أشياء لا يمكن ان تنفعنى فى شئ، ولكننى اتذكرها فى الأنتظار.

ولكن يدى لا تطال شئ سوى الانتظار، دائمًا اسمعهم يقولون هذا، ان الانتظار مفيد، فى هذا العمل بالتحديد، الانتظار يثقلك بالأدوات التى تحتاجها حقًا للقيام بهذا العمل بشكلٍ صحيح، ولكن، ماذا لو كنت مجرد شخص آخر من أنصاف الموهوبين يحاول الوصول إلى أى شئ من خلال نصف الموهبه؟

لا يمكننى تخيل هذا السيناريو، ولكنه يحدث، فأنت مازلت مكانك منذ ان بدأت، او تحركت تحركًا طفيفًا، كتحرك جبل جليدى فى الماء، لا يلاحظه أحد، ولن يلاحظه أحد، فهو تقريبًا يتحرك فى مكانه، وأنت ايضًا كذلك.

يقولون أن من يريد المجد عليه أن ينزل إلى ارض الواقع، ولكننى لا ارى ارضًا انزل اليها، فتمدنى بما ينقصنى من أدوات لأتمكن من اتمام هذا العمل، سئمت الانتظار حقًا ولكن ما باليد حيله.

انا حقًا احسد أى شخص لا ينتظر شئً، أو يستطيع تحويل مشاعره إلى قصيده او خاطره عذبه، أو حتى لديه الأدوات لهذا، ولكننى لا اتمنى زوال هذه النعمه عنه، ولكن اتمنى ان احظى يومًا بهذه النعمه التى ينعم بها.

Saturday, August 9, 2014

ويبقى الحال كما هو عليه

محاولة خلق براح آخر اضحت اصعب مما توقعت، لم تكن مجرد محاولة الخروج من الدوائر الحياتيه الرتيبه، او السير على خطٍ مستقيم طيلة الوقت، او معرفة قدرَك، وما تستطيع فعله، فكل هذا يمكنه ان يضيق عليه الدائره أكثر.

الهزائم المتتاليه البسيطه لا يتوقف اثرها عند اللحظه التى تشعر فيها بالهزيمه فقط، بل تتجمع، حتى تصبح هزيمه ثقيله واحده يصعب الخروج من اثارها الجانبيه سريعًا، لا اعرف لماذا تطاردنى الهزائم الصغيره بالرغم من اننى اتهرب دائمًا منها، لا اقف فى وجهها، فلماذا تقف فى وجهى إذًا.

اشاهد فيلمًا حزينًا، اسمع لحنًا مليء بالشجن، اقرأ قطعة من الشعر والأدب شديدة العذوبه، واتأثر، لا اعرف ان كان هذا تأثير اللحظه، ام اننى اتأثر بمثل هذه الأشياء، ام ان البشر جميعًا اصبحوا يميلون إلى الحزن بشكلٍ عام، فيبحثون عن الشجن الخاص بهم فى داخله، ويتيهون.

انتظر نزول الوحى، فلا شئ يحدث، فتضربنى الحيره، لماذا علينا اتخاد طريق واحد دائمًا، لماذا لا نعبر مابين الطريقين، حتى نرى ما يناسبنا، أفضل من الوقوف حيارى مابين الطرقات، ونظل عالقين فى مابينهم، ويبقى الحال كما هو عليه "تروس بتلف ع الفاضى".

Monday, July 28, 2014

اثر الفراشه

ماذا يمكن أن يحدث لو امكنك تغير شئ فى الماضى؟ هل ستقدم على تنفيذ هذه الفكره علمًا بأن تغيير اى شئ فى الماضى يمكن ان يؤثر على المستقبل بعواقب غير معلومه، وان اى تغيير بسيط فى شئ يمكن ان يكون تافهًا بالنسبة لك يمكن ان يقلب المستقبل رأسًا على عقب.

هل تخيّلت يومًا ماذا سيصير لو ان الديناصورات لم تختفى؟ ماذا سيكون شكل البشر حينها؟ ماذا سيحدث لو لم يبنى المصريون القدماء حضارتهم التى نتخفى فى ظلالها إلى الان؟ ماذا سيكون شكل الارض لو كانت قارًة واحده؟ لو هتلر لم يقم بالحروب العالميه؟ لو لم يخترع الانجليز كرة القدم؟ كل هذه اشياء سوف تؤثر على المستقبل بشكل لن يتصوره أحد، ولكن هذه الاشياء ستوثر فى شكل العالم ككل بلا شك، لكن انا افكر فى ما سيحدث لو تم تغير اشياء شخصيه فى حياتك انت، حياتك الشخصيه.

هل ستتغير حياتى لو لم اتنقل من مدرسة إلى اخرى؟ هل سيتغير أى شئ بعد بقائى مع نفس الأشخاص لمدة تسع سنوات كامله دون الظفر بصديق مقرّب واحد، هل ستتغير حياتى لو اننى اعترفت لها اننى معجب بها حقًا، وهى ليست مجرد صديقه، ولا يوجد ما يسمى بالأخوّه بيننا؟ ماذا سيحدث اذا تتبعت اثر الفراشه من هذا الخيط الرفيع؟

ماذا سيحدث لو اننى حصلت على مجموع كبير فى الثانويه العامه؟ وأدخل كلية الهندسه لأن المجموع كبير ويصعب علي دخول كليه اقل من هذه، واتحمل عواقف قرارى بأن أكره كل ما هو هندسى، او انجح فى حب الهندسه والتفوّق فيها، وربما ضللت الطريق ولم اعثر على شغف الكتابه.

ماذا سيحدث لو بدأت القراءه منذ زمنٍ بعيد؟ هل كنت سأرى اسمى على كتاب من الكتب فى معرض الكتاب الأن؟ او رواية ستتحوّل فيلمًا قريبًا؟ ام اننى سأدرك الفشل قبل ان اكتب حرفًا واحدًا واتحوّل إلى ناقد ناقم على كل شئ يُكتب دون ان يأخذ صك الغفران منى؟

لا يوجد اصعب من هذه الفكره، فكرة اثر الفراشه، تغيير بسيط فى الماضى يترتب عليه تغيرات كبيره فى المستقبل، عواقب يمكن الا تتحملها، يتجلى هذا المعنى بقوه فى التعبير القرآنى "
يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي"، فتجد الندم فى محاولة الوصول إلى نتيجه مختلفه فى الرجوع إلى الحياة السابقه.

"لو علمتم الغيب، لأخترتم الواقع" هى ليست جمله ادبيه تحمل معنى جميل فحسب، بل هى الحياه، بكل ما فيها من اشياء شديدة الجمال والسعاده، واخرى شديدة القبح، هى كل لحظة تعيشها بكل ما فيها، هى كل كلمة تعلمت بعدها أن تحذر الكلمات، هو كل فعل تعلمت بعده ان تفكر جيدًا لأن الزمن لا يرجع للوراء، هى كما قال الشاعر محمود درويش "هى مثل اغنيةٍ تحاول ان تقول وتكتفى بالاقتباس من الظلال ولا تقول"، او مثل الحكمة الخالده التى جاءت على لسان رفيقى القرد الحكيم فى الاسد الملك "الماضى مؤلم حقًا، ولكن من وجهة نظرى، يمكنك ان تتهرب منه، او ان تتعلم منه".

Saturday, July 26, 2014

درجه تانيه.

لم اكن ادرى _فى صغرى_ بالفروقات بين الدرجات فى الاستاد، ماذا تعنى الدرجه الأولى؟ وما الفرق بينها وبين الدرجه التالته؟ الاستاد على شكل شبه دائره، فأين الدرجات؟

بعد سنوات عرفت ان الدرجة الأولى اقرب إلى الملعب وفى موقع افضل، والدرجه التالته ابعد ولكنها احب إلى من يعشقون الكره، اما الدرجه الثانيه فهى لمن لم يستطع ان يجد تذاكر إلى الدرجه الأولى، وليس مولعًا بالكره بقدر من فى الدرجه التالته، فيجلس فى الدرجه الثانيه بينهم.

لم اكن اعرف ان هذه الدرجات يمكن ان تنطبق على الحياه بشكل عام، أذهب إلى مدرسه جديده لأول مره منذ ان قضيت تسع سنوات كامله فى مدرسه واحده، فأجلس فى آخر الفصل، أجد حولى المهمشين، اصحاب الدرجه التالته، من لا يذكرهم أحد، فهم لا يمتلكون أى شئ يستحق الذكر، ليسوا دحاحين، ليسوا مشاهير، فقط مهمشين بلا دور فى أى شئ، وجدت اننى لا انتمى إلى هذه الدرجه، حاولت بكل ما استطيع أن اتخطاهم حتى أصل إلى الدرجه الاولى، فلم استطع، لم اكن مستعدًا بعد للجلوس مع المشاهير، فهم يعاملونك كشخص مديوكر لا تصلح للوجود فى مجتمعهم السامى المحاط بسور من الفقاعات.

وصلت إلى الدرجه الثانيه، وهى الدرجه التى تمثلنى، فلم أكن يومًا _حتى وانا معهم_ من الدرجه الأولى ابدًا، فقط كنت شخص من الدرجه الثانيه يجلس معنا بدافع الصداقه فقط، حتى عندما حاولت اتخاذ خطوات نحو الأعجاب، فلم تعجب بى غير فتيات الدرجه التانيه، أما فتيات الدرجه الأولى فأنا لا امثل لهم المصلحه التى يريدونها ويلهثون ورائها.

لا يوجد شعور اسوء من شعورك بعد الانتماء لما تمثله من درجه فى الحياه، فأنت حائر ما بين الشغف بالوصول إلى الدرجه الأولى وبين جلوسك مابين الدرجه الثانيه والثالثه، تعرف انه لن يأتى احد وينظر فى تذكرتك ويقول لك "لا يا فندم انت قاعد فى الدرجه الغلط" ولكنك تفعل هذا من تلقاء نفسك، تشعر ان هناك شئ خاطئ، انت لا تنتمى إلى هذه الدرجه، فأذهب إلى الدرجه التى تنتمى لها.

تخيلت لو ان الدنيا خلقت بلا درجات، والناس جميعًا سواء بشكل فعلى، يجلسون فى نفس الدرجه، لا يفصل بينهم اسوارًا من الوهم، فقط درجه واحده، ستجد ان هناك بعض الناس يأخذون حيّذ معين، يبدأوا ببناء السور، ثم عمل الدرجه التى تمثلهم، فالبشر لا يشعرون بالراحه إذا وجدوا أنفسهم على نفس الدرجه، وسأجد نفسى رغمًا عنى موجودًا فى الدرجه الثانيه، حتى لو لم اطلب التواجد فيها.

Saturday, July 19, 2014

دواير.

ثمة شئ يحيرنى عندما احاول فهم حقيقة العلاقة بين البشر فى مصر وبعضهم البعض، اعتقد ان هناك اتفاق مبرم دون عقود بين البشر على تحويل كل شئ فى حياتهم إلى دائره، لا توجد خطوط مستقيمه فى حياتك، لا توجد بدايات واضحه ولا نهايات تستطيع ان تصل إليها، فقط دوائر مغلقه.

تستطيع ان ترى ذلك بوضوح عندما تقيس ما اقوله على اى شئ يختبره المصريين، من الدين إلى السياسه إلى الحب، كل شئ يدور فى دائره مغلقه، لا شئ باقى، لا شئ ينتهى، فقط تدور حول نفسِك كحيوانٍ يركض خلف ذيله، كمن اراد ان يمسك بظله، لا يصل، لا شئ.

هل فكرت يومًا متى كانت بداية علاقتك بأى شئ؟ فقط تجد نفسك فى علاقه معه وانت لا تعرف كيف بدأت، ففى الدوائر لا توجد بدايات محدده، فقط نقطه يمكن ان تكون فى اى مكان، فاذا اكتملت الدائره لن تعرف اى ذهبت نقطة البدايه، ففى الدوائر لا تستطيع ترك اثرًا ما لأى شئ، لا تستطيع الوصول لنقطةً ما، اما فى الخط المستقيم، فالبدايه واضحه، والنهايه اوضح.

تخيل شخصًا جاء وقال لك انه لا توجد نهايه، فقط سوف تتكرر الايام تِباعًا، لن يوجد تقدم، لن يوجد جديد، فقط التكرار، هل ستكون سعيدًا حينها؟ هل ستوافق على تكرار ما يحدث لك تقريبًا كل يوم؟ هذا ما يحدث هنا، التكرار وحده ما يسيطر على كل شئ، لن تتمكن من العيش كما تريد الا اذا صادفتك لحظه من لحظات الجنون، وقطعت جزءًا من الدائره، لتتمكن من صنع خطٍ مستقيمٍ خاص بِك، حينها فقط سيأتى التقدم.

Tuesday, July 15, 2014

يا مهوّن

فى يوم من الأيام قرر ابي فراس الحمدانى انه يكتب "يارب اذا صح منك الود، فالكل هيّن، وكل الذى فوق التراب .. تراب" وهو بيت شديد الجمال والعزوبه اذا وصلت فعلًا للمرحله اللى بيتكلم عنها دى، مرحله الود من الله، ساعتها هيبقى كل شئ فعلًا هين، وهتشوف كل شئ تراب.


درجة الود او المحبه دى هى الدرجه اللى كان عليها سيدنا موسى، فى سورة طه آيه ربنا بيبلغ فيها سيدنا موسى بيقول " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي" ربنا ألقى المحبه على سيدنا موسى، وبلغه بأنه هيتربى تحت عين الله، علشان كده كان كل شئ بالنسبه لسيدنا موسى هيّن، بالرغم من كل اللى حصل له، الا انه كان واثق من نقطة الود من الله دى.

فيارب منك الود، وكل شئ يهون بعد كده.

Friday, July 11, 2014

على هامش الذكريات

منذ وقتٍ قريب وانا مشغول بقراءة المدونات القديمه التى لم اعاصرها، بداية فترة المدونات كانت تقريبًا منذ 2005 او 2006، فى هذه الفتره لم اكن مهتمًا بالقراءة من قريب او بعيد، وبالتأكيد لم اكن مهتمًا بالمدونات، فقد كنت مهتمًا بـ... لا اذكر ولكننى كنت مهتمًا بشئ مختلف.

فى المدونات التى قرأتها اشخاصًا يتحدثون عن احداثٍ يوميّه، عن اشياءٍ حدثت وهم صغارًا، عن لحظات نجاح، او لحظات فشل، او فيلمٍ تعلقوا به او الحب الأول فى حياتهم، فقررت ان اتذكر انا الاخر، وان اكتب عن يومى، وعن ذكرياتى.

فتحت المدونه، رساله جديده، وانتظرت، لا شئ، الصفحه بيضاء من دون حروف، ماذا حدث فى يومى يستحق الذكر؟ لا شئ، اذًا دعنا من هذا اليوم الممل، لندخل إلى رحله فى ممر الذكريات، لعل هناك ما يستحق الذكر، ذكريات الطفوله، لحظات السعاده، لحظات النجاح، الحب الأول؟ أي شئ؟ لا يوجد، لا اتذكر اى شئ يستحق الذكر.

هذا لا يمكن ان يحدث، فلابد وان يوجد ما يستحق الذكر، احاول اتجوّل قليلًا فى ممر الذكريات، لا يوجد شئ، تذكرت انه لا يوجد ما يستحق الذكر فى حياتى، فأنا لم اكن يومًا طفلًا من المتفوقين مثلًا، او متميزًا فى شئ من الاشياء، كنت دائمًا متوسطًا، فى كل شئ، فى المدرسه، لا يعرفنى الكثيرين، فلم اكن من الاوائل فى الدراسه، او المتفوقون رياضيًا، او الاطفال الموهوبين فى الغناء او التعبير، لا شئ.

لم اكن ايضًا من الطلبه الذى يعرفونهم المدرسين ويحفظون اسماءهم الا فى عدد قليل من السنين، والذين عرفونى فى سنه، لن يتذكروننى بعد سنتين، وينطبق الأمر كذلك على زملائى، فمنهم من يرانى وينظر فى وجهى قليلًا ويرحل دون ان ينبس ببنت شفه، لعله تذكرنى ولكن خاف الا اتذكره انا فرحل.

اما عن لحظات النجاح، فلا اتذكر الا اننى حصلت على الدرجات النهائيه فى العلوم فى الصف الخامس الابتدائى، وايضًا فى نفس السنه دخلت مسابقة اوائل الطلبه بين الفصول لأنه من الواضح انه لم يوجد بديل غيري يومها، اما عن لحظات الفشل فهى كثيره، ولن يتسع هذا الموضوع لذكرها، فقد كنت التقى بالفشل يوميًا فى الطريق، صدفه، واحيانًا يتعمد ان يلتقى بي، اصيل والله.

اما عن الحب الأول، فحدّث ولا حرج، لم يكن موجودًا طيلة السنين الماضيه، حتى فى ايام الطفوله، فلم اعجب يومًا فتاه حتى اقدمت على عملٍ ما ساذج من اجل ان الفت نظرها مثلًا او ان اجعلها تعجب بي هي ايضًا، لم اتذكر الا اننى_ وانا فى خامسه ابتدائى برضه_ اعجبت بفتاه متفوقه وجميله وتستعمل يدها اليسري!

اتذكر اننى عندما كنت فى الصف الثانى الاعدادى، كنا نلعب لعبة "Spin the bottle" ونسأل بعضنا اسأله محرجه نوعًا ما مثل "بتحب مين؟" وهكذا، اردت ان اشعر مرّة بلحظه من لحظات البطوله، فطوال عمرى وانا العب دور السنّيد، صديق البطل والبطله معًا، الشخص الدبدوب الذى اذا ما حدث شئً بينهم لجئوا له، فأردت لنفسي لحظةً ملحميه، فسألت واحده من الفتيات "لو خيروكى مابينى وبين *ذكرت شخص لا يطيقه احد* هتختاري مين؟" فأرتديت نظارتى السوداء وانتظرت اجابتها التى ستجعلنى اقبل البطوله بصدر رحب، فما كان منها الا ان قالت "انت سألت السؤال ده علشان اختارك انت؟ باينه أوى على فكره، انا هختار *وذكرت اسم الشخص الذى لا يطيقه احد*" فسقطت انا فى بحرٍ من القذاره، واحترقت من الداخل، واعتزلت الأدوار إلى ما لا نهايه.

ارهقت عقلى كثيرًا ولم اجد شئً يستحق الذكر، اتمنى حقًا ان يحدث فى حياتى مستقبلًا مايستحق ذكره لأعوض ما فات مني، اما الأن فسابحث عن شئ مفيد افعله، ربما بعض الكنافه الرمضانى.

Saturday, July 5, 2014


يقف على طاولةٍ ارتفاعها عن الارض يتجاوز طوله بكثير، ينظر إلى من حوله ويبتسم، ثم يقفذ فجأة بدون اى مقدمات، فلا تلمس قدماه الارض، ويفتح ذراعيه للهواء، غير عابئ بأى شئ، فألاطفال _كبيتر بان_ يستطيعون الطيران، يستطيعون التحليق، لا توقفهم الحدود، لا يشغلون بالهم كثيرًا بالقياسات، فهم لا يتبعون القواعد، فلا شئ يقف أمام ابتسامتهم.

Thursday, July 3, 2014

ملوك الصدى

اراهم من بعيد، احاول الاقتراب، اتحرك على مقربًة منهم، اسمعهم يتهامسون للحظات ثم يصيحون بما يفكرون به، اعرف عنهم اشياءًا كثيره تقريبًا، ولا يعرفون عنى شئ، اسكن إلى احدهم لأستمع إلى ما يقول، اجد فى كلامه الحكمة التى ابحث عنها، اقرر متابعته، غير انه وبشكل مفاجئ يحيد عن مساره، ويبدأ الحديث عن ما يشغل نفسه من مشكلات، فأجد اننى اشاركه بعضها، فأبتعد، وابحث عن غيره.

اجد من يعلو صوته أكثر فأكثر، اسكن إليه، اعجب بما يقول، وبعد لحظات، يبدأ الحديث عن احلامه التى لم يصل إليها، ولا يرى بُدًا من البحث عنها مرًّة اخرى، اقول فى نفسى "لماذا يحزن هذا الذى يمتلك موهبًة يتمناها غيره من الناس؟" وافكر، لو اننى امتلك نفس موهبته تلك لملكت الدنيا وما عليها بين يدى، ولكنه وللأسف يركلها بعيدًا عنه.

جميعهم يتشابهون ام انا الذى يختلف؟ لا، فنحن جميعًا متشابهون، اتذكر مرحلة من مراحل حياتى كنت مثلهم، وربما اتحدث اكثر عما بداخل مما هم عليه، وهى مرحلة شديدة التفاهه، ولكننى مؤمن ان بدونها لن تستقيم حياتى، بعد خروجك من حالتك تلك ترى نفسك تافهًا، وترى ان ما كنت تراه ضخمًا ما هو الا فُتات لشئ ما غير مكتمل، فتضحك على كم السذاجة، وتنتظر مرحلتك الساذجه القادمه.

استمع إلى ما يقولونه من جديد، يحاولون الخروج بصعوبه، يحاولون تحويل الموقِف إلى هجرًا جميلًا إلى شئ شديد العذوبه، شديد البهجه، بعيدًا عن النسق الحالى، ولكن النهاية دائمًا موجعه، الفراق موجع، الفراق صعب، كما قال نجيب محفوظ على لسان احد ابطال رواياته "جميع المخلوقات تبكى من ألم الفراق".

Wednesday, July 2, 2014

دخل إلى المسجد بقلب شريد كمن ضل الطريق، كمن فقد ضالته يبحث عنها فى كل مكان، ينظر إلى الاركان، ويرفع رأسه إلى السقف، وجد شيخه مستندًا إلى عمود فى منتصف المسجد، فجلس إليه ورقّت عيناه بالدموع، فبكى.

نظر إليه الشيخ وقال:

- ماتبكيش، كل شئ بيهون.
-- الصبر مر يا مولانا، والهجر كان امر، أكيد فى سبب انا مش عارفه.
- كل حب مرتبط بسبب زائل بزوال السبب، سيبها على الله ولا تبحث عن الاسباب، قوم صلِّ ركتين.

حاول الدخول بخشوع فى الصلاه ولكنه لم يستطع، كان فمه يردد الفاتحه، وعقله هاجر إلى الذكريات، عاد عقله مع جملة "سمع الله لمن حمده"، فبكى وهو يردد بداخل نفسه "ربنا ولك الحمد على كل شئٍ كان او يكون"، سجد فأراح قلبه قليلًا من ضربات النبض السريعه، وعندما وجد الراحه فى السجود، أطال السجود، فأستراح، ونام.

Tuesday, July 1, 2014

دائمًا وابدًا الصدف بالنسبه لي شئ مُربِك، قابلتها صدفه، فعبرت المشاهد التى جمعتنا قديمًا امام عينى سريعًا، ابتسمت بعد ان اذابت حرارة الذكريات ثلوج الصدفه .. "فاكر؟" فاجئتنى على حين عفله، فلم اكن مستعدًا لأن ابوح بما تذكرته، "أكيد فاكر"، "ندمان؟" سألت نفسى دون أن اجيب.

لم اشعر بالندم طيلة حياتى، لم اشعر بالندم على اي شئ، فلعل فقدانى لشئ ما هو عين العطاء، ولكن كان هناك شعور مؤلم قليلًا، كالحنين إلى ايامٍ مضت، ولكننى ايضًا تذكّرت الأطوار الاخرى، الإعراض والجفاء، واللامبالاه دون تفسير يطمئن إليه القلب، ابتسمت، ورحلت.

Friday, June 27, 2014

عن برامج الكاميرا الخفيه

واضح إن احنا عندنا ازمه كبيره فى فهم حاجات كتير، منهم مثلًا فكرة برامج الكاميرا
الخفيه، ودى برامج المفروض بتتعمل بهدف الكوميديا او اضحاك الناس من خلال
مقلب خفيف يتعمل فى ضيف سواء كان فنان مشهور او شخصيه عاديه.

انما احنا عندنا تقريبًا الموضوع اتحوّل من كون البرنامج مقلب خفيف إلى مقلب مرعب قذر مش اكتر، برامج الكاميرا الخفيه بقت معظمها مبتذله ومستفزه، وماشيه على انماط محدده، يا اما تجيب ضيف تنرفزه وتطلع عين اهله لحد مايبدأ يتعصب عليك، يا اما ترعبه، او تعمل الحاجتين.

الحصيله من البرامج دى مع كل رمضان بتزيد، بس السنه دى انا عايز اتكلم عن برنامج خاص بعينه، هو برنامج مستفز هيتعرض على قناة النهار الحبكه بتاعته هتكون عباره عن زوجه بيتم استضافتها فى البرنامج ويبدأ المذيع يستفزها ببعض الاسئله عن حياتها واحوالها مع زوجها لحد ما فجأة يدخل عليهم الزوج ده بزوجه تانيه وزفه بلدى ولابس بدله والعروسه لابسه فستان ويكأنه فرح حقيقى فعلًا، فتقوم الزوجه منزعجه وتبدأ تتخانق معاه وتضرب فى الممثله إلى عامله عروسه وتضربه وتضرب المذيع وحتى اللى عامل مأذون.

الفكره بقى، ايه الاستفاده اصلًا من البرامج دى؟ ايه لازمتها يعنى؟ دى حاجه من وجهة نظرى قمة السخافه ومفيش فيها ريحة الكوميديا، يبقى ايه لازمتها بقى؟ اتمنى فى يوم من الايام اشوف برنامج كاميرا خفيه مضحك فعلًا ومن غير سخافه.

Wednesday, June 25, 2014

اتذكر عندما كنت صغيرًا، لم يكن يبكيني مايبكي الآخرين، أخبار الموت والضحايا، فقدان الاشياء، عدم القدرة على الوصول لما تريد، لم يكن يبكيني كل هذا، لم أكن ابكي بسهوله، حتى كدت اصدق أن قلبي قد تحول إلى صخرٌ أصم، إلا انني بكيت يومًا ما على شيء لم يكن يستحق البكاء، شيء عادي يمكن ان تواجهه كل يوم.

رأيت فى المدرسه طفلًا، يجلس بعيدًا عن الطلاب الاخرين، ممسكًا بقلمه وورقة صغيرة مقطوعة، يحاول كتابة شيء ما، ولكنه يجد صعوبة فى مسك القلم والتحكّم به، يمسكه بأصبعيه السبابه والوسطى بصعوبه، ويميله إلى الامام قليل، وينحني برأسه كثيرًا حتى اقترب من الورقه كأنه إلتصق بها، مجرد رؤيته على هذا الوضع، وهو يحاول كتابة شئ ما بهذه الصعوبه البالغه التى لم ارى احدًا يواجهها وهو يكتب، جعلني اجلس بجانبه وابكي، ابكي كثيرًا على عدم قدرته على فعل شئ قد يكون سهلًا لعموم الناس، بكيت ولم يكن البكاء امرًا مطروحًا، ولكننى بكيت.

Sunday, June 8, 2014

لماذا دائمًا لدينا هذا الشغف فى تحويل كل شئ إلى ثنائيات متضاده، الاب - الام، الاهلى - الزمالك، الرجل - المرأه، الدين - الالحاد، الوطنيه - الخيانه، كل شئ وضع فى قالب ليكون فقط مهيًأ للتضاد الثنائى، فأذا وجد شخص يستطيع ان يتعامل مع كل من طرفي التضاد، فهو غالبًا ما يوصف بالنفاق.
الطريق مظلم وحالِك، لا توجد علامات للهدايه، احاول السير على هدي البصيره، شئ يقترب من بعيد، ضوء؟ حقيقه ام سراب؟ صوت الهواء المنطلق يضرب اذناي، ما الحقيقه وما السراب؟ 

Friday, June 6, 2014

متلازمة تشاندلر بينج



منذ أكثر من ثمانِ سنوات، كنت احاول متابعة مسلسل فريندز على شاشة التليفزيون، ولكننى لم انجح فى متابعته بشكلٍ جيّد متتابع، كنت اشاهد الحلقات صدفه، لم اعرف متى تُعرض ولم اكن انتظرها، فقط كنت اشاهدها صدفه.

عندما كنت اشاهدها كان "جوي" هو الشخصيه المفضله بالنسبة لي، شخص ابله، شديد الغباء، يحاول العمل كممثل لوسامته ولأنه يستطيع الحفظ بشكلٍ جيّد، وهو موهوب فى التعامل مع النساء، لا شئ يربكه فى التعامل معهم، يعرف ما يريد بالضبط، كانت مواقفه الكوميديه القويه تحدث دائمًا مع صديقه الذى يعيش معه فى نفس الشقه .. تشاندلر بينج.

تشاندلر بينج يعد من أكثر الشخصيات المحيره بالنسبه لى، ففى لحظات تريد ان تكون هو وفى لحظات أخرى تحمد الله على انك لست تشاندلر بينج، فهو مزيج بين النجاح والفشل.

تشاندلر بينج على الرغم من نجاحه فى عمله الا انه لا يحبه، لا يرى انه _كمحاسب للشركات_ يضيف اى شئ سواء لنفسه او للعالم، يرى انه بلا حلم، طالما تخيل نفسه يفعل شئ مهمًا، اى شئ، هو لا يعرف حتى الان ماهية الشئ الذى يريد ان يفعله ولكنه يعرف بالتأكد انها ليست المحاسبه.

تشاندلر بينج ذكى، ذو ذهن حاضر دائمًا، متهكم بشكل كبير على كل شئ، يسخر من كل شئ حتى من نفسه، يسخر من حادثة طلاق ابويه فى سن صغيره، يسخر من عدم تحقيقه لأى شئ، يسخر من أصدقائه المقربين، فهو يستخدم السخريه كوسيلة دفاع او صد للبشر بسبب حاله نفسيه سببها له طلاق والديه فى سن مبكره.

هو شاب وسيم، ومع ذلك فاشل جدًا فى العلاقات النسائيه، فهو يتلعثم عندما يبدأ التحدث مع امرأه، لا يستطيع القدوم على الخطوة الأولى،  يحاول القاء نكته قد تذيب الثلوج، لكنه بصعوبه بالغه يذهب إلى هناك ويحاول التكلّم فيتلعثم، فيتممون هن الخطوه الاولى بالتعرف عليه.

أصبح تشاندلر بينج منذ فتره هو المفضل بالنسبة لي، شخص يحمل كل صفات الفشل والنجاح، الضعف والقوه، ساخر، لا يمتلك الحكمه التى قد تمكنه من نُصح غيره من البشر، دائمًا يري فى نفسه انه أقل مما هو عليه، بالرغم من انه يفتقر إلى الحكمه الا انه يستطيع مواساة اصدقائهم واخراجهم من حالات الحزن التى تصيبهم احيانًا.


شخص لا يحب عمله، يرى فى نفسه شخصًا فاشلًا، غير جيد مع النساء، ساخر وهذا ما قد يوقعه احيانًا فى لحظات محرجه جدًا، ولكنه بالرغم من كل هذا وفى خلال المسلسل يتطوّر، فيترك عمله ليعمل فى المجال الذى يحبه ويبدأ من جديد ولا يستسلم، يتزوج من المرأه التى احبها، يظل ساخرًا كمان هو، لكنه يتطور إلى الأفضل دائمًا، لهذا السبب سيظل تشاندلر بينج هو الأفضل بالنسبة لي.

Tuesday, June 3, 2014

اليوم الاخير او كيف تنقلب السعاده إلى حزن؟

اليوم الاخير من الامتحانات، اليوم الاخير للتخلص من الدراسه هو يوم يجب ان يكون من اسعد ايام حياتك، لا يوجد بعد ذلك المزيد من المحاضرات الممل التى غالبًا ما اميل إلى الا احضرها، لا يوجد المزيد من الامتحانات و الاختبارات العقيمه التى تعودنا ان نحفظ ما فى من قبل ان ندخلها، مع اننا كليه تطبيقيه و علميه بالمقام الاول وللسخريه نحفظ فيها اكثر مما نفهم.


اليوم انقلب من سعادة انك لن ترى كل هذا مرة اخرى، إلى يوم حزين لا تستطيع فيه الا ان تفكر انها قد لا تكون المره الاخيره التى سوف تدخل امتحان فيها، مسأله هى نصف الامتحان تضيع امام عينى وانا جالس انظر فقط إلى الورقه و اسألها "ما العمل؟" فلا تجيب، تعودت على اللامبالاه من الاخرين فى هذه اللحظات.


اتلفت حولى كثيرًا، لا يوجد هناك أحد ليساعدنى، فقط احتاج إلى قانون ربما مر امام عينى و على مسمعى من قبل ولكن لا يمكننى ان اتذكره، بل حقًا لم اكن اعرفه، وكأن هناك من قرأ على سوره يس قبل دخولى إلى الامتحان "فأخشيناهم فهم لا يبصرون" و هذا ما حدث، اضاع منى هذا القانون المكوّن من رقم و حرف مسأله هو نصف درجة الامتحان كامله.


انا الان فى انتظار العنايه الالهيه، يد الله الحانيه، كرم الله، لا ادرى فلعل الله يحدث بعد ذلك امرًا.

Thursday, May 15, 2014

و فى الظلال نحيا.

(1)

كم مرّة ابتعدت عن الكادر فى صورة جماعيه؟ كم مرّة وقفت فى الظلال حتى لا تظهر فى الصورة؟ هل تذكرك احد ممن ينظرون مبتسمين إلى العدسات منتظرين ان تُسجّل هذه اللحظة بدونك؟ هل شعر احدهم ان الصورة لن تكتمل الا بوجودك؟

هكذا هى الحياة، عدسة لا تلتقط الا من يقفون فى النور، اما من يعيشون فى الظلال فلا تتذكرهم، ستمر اللحظات السعيدة امام عينيك دون ان تلتفت لك، دون ان تنتظرك، فأما ان تتحرك لتلحق بها، او تظل واقفًا، لا تفعل شئ.

(2)

أما لو اخترت إنك تبعد...


و تشوف المنظر من برة...


حتغطي عينيك كادرات أكبر...


و حاجات أكتر...


لكن أحجامها بقت أصغر...


م الأول ميت مليون مرة...


تكتشف إنك...


مبقتش في حاجة تأثر فيك...


و لا بتبكيك...


مبقتش بتزعل تقريباً...


و الدنيا بقت أبيض فاقع...


و إن انت بقيت إنسان ساقع...


مبقيتش بتضحك بالساهل...


و لا حاجة ف نظرك تستاهل...



تتمنى ساعتها تعود جاهل...

ف تلاقي الزووم...


كان رايح بس...


و لجل النحس...


مفيش راجع.

برواز الدنيا - مصطفى إبراهيم.


(3)

كم مرّة شعرت انك تعيش اليوم ذاته كل يوم؟ لا شئ يتغير، لا جديد، غدًا هو الامس، و الامس هو بعد غد، و بعد غد لن يختلف كثيرًا عن اليوم، هل ترى ان هناك شئ ما؟ خطأ ما؟ خلل ما فى احد جوانب حياتك؟

السير على خط مستقيم ليست بشئ سيء، و انما الركود هو الشئ الذى يحتاج للتحريك، فالمياة الراكده تصيبها الامراض و الاوبئه، عندها يجب التحرك قليلًا، اختبار ما هو افضل، او اسوء، فالاختبار هو ما يثقل المعادن حتى تستطيع مواجهة القادم المجهول.

(4)

صبح وزيّة الصبح التانى
ليل ملضوم فى الليل التانى
وانا مش رايح انا مش جاى
انا مش واقف حتى مكانى

ساح يا بداح - محمد منير.

(5)

كم مرّة صادفت اناسًا ارتقوا حتى اصبحوا على مقربًة منك، و بعد ذلك اختفوا، دون سابق انذار، فقط اختفوا و لم تعرف لهذا سببًا، فقط ان وجودهم فى حياتك فى هذا التوقيت غير مناسب، بشكل او بأخر، وجودهم لن يضيف شئ و لن يُنقص بُعدهم شئ.

دائمًا كنت تشعر بالخوف من الاقتراب من احد، خوفًا من ان يخذلك و يرحل فجأة، هذا الخوف من الارتباط بشئ، يجعلك ناسكًا بين البشر، رحاله فى النفوس، لا تستقر فى نفسٍ مما تصادف، لترك مسافة مناسبة للرحيل، دون الشعور بأن هناك ما ينقصك.

حتى يأتى الذى قد يغيّر هذه القاعدة، و يقترب إلى الدرجة التى جعلتها انت محرّمه على غيرك، فترى ان هذا الاقتراب ليس بهذا السوء، يمكن لهذا الشخص ان يخذلك ايضًا، و لكنه علّمك ان الاقتراب ليس بهذا السوء الذى كنت تتوقعه، ليس بهذا السوء .. ابدًا.

(6)


ما اجمل نومه على كتوف اصحابك

تنظر صادقك من كدابك

تبحث عن صاحب انبل وش

فى الزمن الغش

والرؤيه قصادى اتسعت

بصيت وحاسب نفسى بين خلانى

تعالوا شوفوا الدنيا من مكانى

حاشتنا اغراض الحياه عن النظر

بالرغم من نبل الالم والانتظار

اتعلمنا حاجات اقلها الحذر


أحزانى العادية - عبد الرحمن الابنودى.

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...