Wednesday, November 5, 2014

هكذا كانت الوحدة.

في الشهر الماضي، وتحديدًا قبل العيد، أتخذت قرارًا بالإبتعاد عن الموقع الأكثر شهرة بين مواقع التواصل الإجتماعي، لم أكن مكتئبًا، لم أكن حزينًا، لم أكن مشغولًا، فقط أردت الإبتعاد قليلًا والأكتفاء ببعض منصات التواصل الأقل كفاءة بالنسبة لي على الأقل.

ما حدث في هذا الوقت كان انني أنفصلت بشكل فعلي عن العالم، فأصبح العالم هو غرفتي، لا أعرف شيئًا مما يحدث خارج حدودها غير القليل جدًا، وبصراحة لم أكن مهتمًا أن أعرف ما يجري بعيدًا عني. ومن يعرفني جيدًا يعرف أن هذا ليس من طبعي في شيء، فقد كنت متواجدًا تقريبًا طوال اليوم على مواقع التواصل، فأنا أكره الوحدة، أكره الإبتعاد عن البشر إلا في ظروف استثنائية، عدا ذلك كنت متواجدًا تقريبًا بشكلٍ دائم.

والحقيقة إن قراري بالإبتعاد عن هذا كله لم يكن له سببًا واضحًا، فقررت أن أخلق له بعض الأسباب حتى يكتسب شرعيته كفعل مُسبب ومُعترف به، فما الأسباب التي يمكنني أن أفكر فيها كي يكتسب هذا الفعل شرعيته الكاملة؟

يقول البارون مونشهاوس في أطروحته التي شرحها الفيلسوف الألماني هانز ألبيرت أن الأفعال يمكن شرحها عن طريق ثلاثة إحتمالات للأسباب يمكن أن تكون مقبولة، الإحتمال الأول أن يكون الفعل نتيجة لتراكمات قديمة ترسبت في النفس فنتج عنها في النهاية هذا الفعل، الإحتمال الثاني أن يكون هذا الفعل نتيجة لمحاولة رجوع الشخص إلي المرحلة التي سبقت هذه المرحلة في حياته، كأن يتوقف عن حب من يحب ويعد إلي مرحلة ما قبل أن يحبهم، والإحتمال الثالث والأخير هو أن يكون الفعل يدور بداخل دائرة مغلقة، أي أنك تفعل هذا الفعل لا لشيء إلا لمجرد فعله، أي أنني أريد أن أركض لمجرد أنني اريد أن أركض.

لنعتبر أن السبب الذي دفعني للإبتعاد عن معظم مواقع التواصل الإجتماعي هو الإحتمال الأول، وأن هناك تراكمات كثيرة من قصصٍ وحكايات غير مهمة بالنسبة لي على الإطلاق، وأن هذه القصص قد كثُرت بشكل أدى إلي أنني أردت الأبتعاد عنها والتركيز في أي شيء يخصني فقط بعيدًا عن ما يخص غيري من الأشياء.

أو أنه الأحتمال الثاني، مجرد محاولة مني للرجوع إلى حالة الوِحدة التي كنت عليها قبل أن ادع القلق وابدأ الحياة وأكسب الأصدقاء وأؤثر في الناس كما قال كارنيجي، فيبدو أن كارنيجي فشل معي في إقناعي أن كسب الأصدقاء والتأثير في الناس يمكن فعله عن طريق الإهتمام بهم على حساب ما تهتم به أنت شخصيًا، فقررت ترك كل هذا، قررت ان ادع الحياة وابدأ القلق مرةً أخرى.

أو أنه الإحتمال الأخير، أنني أغلقت الدائرة على نفس فأنتقل العالم بأكمله إلي غرفتي ولم أعد أهتم بما يحدث خارجها لمجرد أنني أردت أن أفعل ذلك، ففي الحقيقة ليس هناك سببًا واضحًا لما أفعله فيمكنني إحالته إلي هذا الإحتمال الذي يبدو متماشيًا ومتناغمًا مع أي فعل فعلته في يومٍ ما وأي فعلٍ قد أفعله في المستقبل.

أما السبب الذي أريد أن أصدق أنه السبب الحقيقي وراء هذا الإبتعاد هو أنني أحاول التعوّد على الوحدة، على إنني سأكون في يومٍ من الأيام وحدي بلا أي تواصل من أي نوع، كيف سأتعامل مع هذا الظرف إذا لم أكن مستعدًا له، فالوحدة فالنهاية تعتبر ظرفًا لابد منه، لابد وأنك في يوم من الأيام ستكون وحدك، ماذا لو فُرضت عليك الوحدة في يومٍ من الأيام؟ ووجدت نفسك في عالمٍ غريب عنك، لم تألفه ولم يألفك، ماذا ستفعل حينها؟ هل ستشعر بالخوف؟

الغريب في الأمر، والذي حدث عكس ما توقعت تمامًا، وعكس الذي كان يحدث قبل شهور قليلة، أنني لم أشعر بالخوف في الوِحدة، بل وجدت بها راحةً أكثر من راحة الجماعية، فلم أشعر أنني افتقد أحدًا، وتقريبًا لا أحد يفتقدني أيضًا، لا أعرف، ولم أهتم أن أعرف، ولم يعد يعنيني هذا، ربما تكون هذه المرحلة هي مجرد مرحلة قصيرة المدى وستنتهي في وقتٍ ما، لكن في حقيقة الأمر، أنا لم أعد أهتم إن كانت ستنتهي أم لا، لكنني أتمنى لو انتهت، أن أجد ما يمكن أن يكون مهمًا، أن أجد يجعلني أهتم، أو يهتم، أو على الأقل يُظهر ذلك، عدا ذلك، ستبقى الوِحدة، ولا شيء غيرها.

1 comment:

  1. عن نفسى
    لا أخاف الوحدة أبداً!!
    وكيف تكون وحيداً وأنت فى معّية الله
    سبحانه وتعــــــــــــــــــــــالى

    ReplyDelete

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...