Friday, November 7, 2014

شارع المعز: حكايات من قلب قاهرة المعز وجوهرُه.

 في صيف 2012 كانت المرة الأولى التي نقرر فيها أنا وأصدقائي الذهاب إلي شارع المعز في القاهرة الفاطمية التي لم أكن أعرف عنها شيء غير أن بها عددًا كبيرًا من المساجد لهذا يُطلقون عليها بلد الألف مأذنة، يمكنك إدراك هذه الحقيقة عن طريق الوقوف أمام مسجد محمد علي في قلعة صلاح الدين بالقاهرة.

شارع المعز يعتبر أكبر متحف مفتوح للأثار الإسلامية في العالم العربي وربما في العالم، يبدأ من باب زويلة في الجهة الجنوبية منه ويمتد حتى باب الفتوح والنصر في الجهة الشمالية، وما بين البابين الكثير من المساجد التي يمكن رؤيتها لحظة دخولك إلي الشارع من أي بابٍ منهم.

                                                          




عندما ذهبت أول مرة، لم يعنين كثيرًا أن أعرف من هو المعز لدين الله الذي سُمي هذا الشارع على أسمه، فقط أردت رؤية هذه المساجد والأثار الموجودة في الشارع، لكن بعد ذهابي إلي الشارع للمرة الخامسة أو السادسة قررت أن أعرف من هو، المعز لدين الله هو رابع الخلفاء الفاطميين والذي ارسل جوهر الصقلي على قيادة الجيش لفتح مصر والإستيلاء عليها من الحكم العباسي في ذلك الوقت، ونجح جوهر الصقلي في فتح مصر وإنشاء القاهرة تقريبًا سنة 969 ميلاديًا، حيث أنشاء الجامع الأزهر أول جوامع القاهرة الفاطمية.

بعد ذلك ببضع سنوات، تقريبًا سنة 972م، ارسل جوهر الصقلي رسالةً إلي المعز لدين الله يقول له أنه يرى أن الوقت مناسبًا جدًا لأنتقاله للقاهرة، فأنتقل المعز لدين الله إلي القاهرة وأقام بها حكومةً قوية وجعلها مركزًا للحكم الفاطمي قبل أن يتوفى بعد ذلك بثلاث سنوات، تحديدًا سنة 975م، وقد سمُي الشارع بأسمه منذ دخولة القاهرة الفاطمية حتى وقتنا هذا.

ما لفت نظري عندما ذهبت أول مرّة إلى الشارع أنه كان مرصوفًا بالحجارة، لم يكن مرصوفًا بالأسفلت كما هو حال معظم الشوارع في القاهرة، علمت بعد ذلك أن الشارع قد رُصف بالحجارة في وقت ترميمه سنة 2008م، وتم كذلك ترميم الكثير من الأثار التى تأثرت بأثر زلزال 1992م.

                                                   



أتذكر أن أول ما رأيت في الشارع بعد الأبواب وبعد منطقة خان الخليلي كان مسجد ومدرسة الناصر محمد بن قلاوون، والناصر محمد بن قلاوون هو تاسع سلاطين المماليك، حكم مصر أول مرة سنة 1293م ولمدة سنة، إلا أنه جلس على عرش السلطنه مرّةً أخرى سنة 1299م، بعد خلع الملك العادل المنصوري الذي كان قد بدأ في بناء هذه المجموعة قبل أن يُتمها الناصر محمد بن قلاوون سنة 1304 وتُنسب إليه.

                                              


يُقال أن هذه المجموعة كانت عبارة عن جامع ومدرسة لتعليم أبناء أهالي القاهرة بعد أن بطش بهم الناصر محمد بن قلاوون لمدة أربع سنوات تقريبًا أمر فيها جيشه بقطع رأس من يظهر عليه أنه معترض على سياسته أو أوامره، فكانت هذه المجموعة بمثابة مصالحة منه لأهل المنطقة والتي كانت تحتوي ايضًا على مستشفى ودار لرعاية الأطفال اليتامى والفقراء.

اتذكر أنني عندما رأيته أول مرة لم يلفت إنتباهي غير واجهة المسجد الممتدة والتي يتوسطها باب مكسو بالرخام والزخارف المتناسقة بشكل هندسي شديد الإبداع، لكن بداخل المسجد لم يكن الأمر كذلك، فلم يبق من إيواناته الأربعة غير إيوانين فقط، والإيوان هو عبارة عن صحن مكشوف بلا أبواب قد تتوسطة فسقية كما هو الحال في هذه المجموعة.

                                                 


بعد السير قليلًا في الشارع بإتجاه باب الفتوح، بالتحديد بعد منطقة النحاسين، رأيت واجهة زجاجية كبيرة خلف بعض الزخارف الرخامية المزخرفة بعناية والتي تعطي للواجهة شكلًا مميزًا عن باقي الوجهات، كان هذا _كما علمت وقتها_ سبيل محمد علي باشا الذي انشأه صدقة على روح ولدة إسماعيل باشا. عند دخولك من البوابة ستجد دهليزًا صغيرًا به على اليسار فتحتان، واحدة تصعد بها إلي غرف فارغة إلا من النجف الضخم، والأخرى تنزل بها إلى خزان السبيل الذي يبلغ سعته حوالي 455 ألف لتر، أي أنه قد يكفي لملء حوالي مليون ونصف كوب ماء.

                                                 


بالسير قليلًا تجاه باب الفتوح، وبعد الدخول إلى عطفة على اليمين، دخلنا إلي بيت السحيمي، والذي سُمي بأسم آخر من كان يسكنه، هو الشيخ محمد أمين السحيمي، والبيت هو عبارة عن بيت عربي يعتبر الأن من المعالم الأثرية المشهورة للشارع، يطل البيت على صحن كبير مزروع ببعض الأشجار والنباتات، في الطابق الأرضي يمكنك رؤية المداخل المتعددة إلي البيت والتي تؤدي بك في النهاية إلى الدور الأول من البيت، عندما دخلنا أحد المداخل وجدنا إيوانًا يتوسطة شريط طويل كُتب عليه أبياتًا من الشعر عرفت بعدها أنها أبياتًا من قصيدة البردة للبوصيري على حسب ما علمت بعد ذلك.

                                               


في الدور الأول رأيت جلسة في أحد الغرف تشبه جلسة العرب يتوسطها صحنًا كبيرًا من النحاس، وبعدها غرفة لا يوجد بها غير بعد الدواليب غير المستعملة والكثير من الشبابيك المغطاه بالمشربيات والتي تطل على صحن البيت والتي أيضًا علمت في ما بعد أنها كانت مخصصة للحرملك كي تطل منها النساء على السهرات التي كانت تعقد في صحن البيت الذي يعتبر علامة مميزة جدًا في شارع المعز.

                                            


بعد إستكمال السير بإتجاه باب الفتوح، رأيت مسجدًا يبدو عليه أنه ليس من معالم هذا الشارع في شيء، فهو مسجد صغير جدًا يبدو منكشمًا وسط المساجد الضخمة حوله والتى تطل عليه من جميع الجهات، كان هذا هو مسجد الأقمر أصغر مساجد القاهرة الفاطمية على الإطلاق، واجهة المسجد هي ما يميزه، فهي واجهة مزخرفة ببعض الزخارف الإسلامية لكن إذا لم تدقق النظر بها فسوف يعطيك أنطباعًا أنك أمام واجهة معبد وليس مسجدًا.

                                           

                                       


أكملنا المسير بإتجاه باب الفتوح عندما رأيت بالقرب منه أهم وأشهر جوامع المنطقة على الإطلاق الأن وهو جامع الحاكم بأمر الله، والحاكم بأمر الله هو سادس الخلفاء الفاطميين، ويُعتبر ايضًا من أقواهم وأشدهم بأسًا وحكمًا، والذي أشتهرت عنه حكاية منعه لأكل الملوخية للعامة لأنه يعتبرها أكله ملوكي لا تليق إلا بحاكمٍ مثلة، ولم يكن هذا أغرب المراسيم التي أصدرها، فقد منع ايضًا عجن الخبز بالأرجل، وذبح الأبقار التي لا عاقبة لها أو التي تصلح للأستخدام في الحرث إلا في مواسم الأضاحي فقط.

مسجد الحاكم بأمر الله تم البدء في بناءه على يد العزيز بالله الفاطمي سنة 989م، واتم بناءه ابنه الحاكم بأمر الله سنة 1013م تقريبًا، ويعتبر هذا المسجد هو ثاني المساجد إتساعًا في القاهرة بعد مسجد ابن طولون، يقع المسجد على مساحة 120 متر طول و113 متر عرض، عند دخولي إلي المسجد أول مرة رأيت صحنًا واسعًا جدًا يتوسطة ميضة للوضوء والكثير من أسراب الحمام الموجودة على أرضيته الرخامية بيضاء اللون والتي كانت مريحة للعين بشكل كبير، أما عن المسجد فبه الكثير من الأروقة التي يمكنك السير فيها إلى أن تصل إلى الرواق المقابل لمدخل المسجد والتي يمكنك الجلوس به أو الصلاة كيفما شئت، كما يمكنك رؤية أعداد كبيرة من المهاجرين والسياح في صحن المسجد يصلون أو فقط يجلسون لألتقاط الصور في هذا المكان الرائع بحق.

                                                



بعد جلوسنا بالمسجد لمدة، قررنا الخروج والإتجاه إلى باب الفتوح للخروج شارع المعز الذي يعتبر من امتع الأماكن للخروج لقضاء وقتًا طيبًا في قلب قاهرة المعز وجوهرُه، بجوامعه ونحاسينه ودكاكينه التي تنتشر على جنباته في كل مكان.


*المصادر:
- وكيبيديا.
- كتاب "القاهرة: جوامع وحكايات" لحمدي أبو جُليّل. الهيئة المصرية العامة للكتاب.                                             


1 comment:

  1. تمتع بزيارة لكافة مساجد القاهرة العريقة من خلال اقامة مميزة فى فندق شيراتون الجزيرة فترة الزيارة للقاهرة
    00201009228491
    http://grandmagiceg.com/hotel/sofitel-el-gezirah-cairo/

    ReplyDelete

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...