Sunday, May 17, 2015

في الفصل، تجلس فتاة يقال عنها أنها مستهترة، وبعض الشائعات تقول أن أبوها منفصل عن أمها وأن أمها متزوجة من رجلٍ آخر، لذلك تعيش بشكلٍ مختلف، ترتدي جيبات قصيرة، تصفف شعرها عند الكوافير بالرغم من أنها لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، تقول لصديقاتها أنها ترتدي بلوزات بلا ملابس داخلية بلا حياء ولا خجل. خلف الفتاة، يجلس هو وصديقه، في آخر الفصل، ينظرون إليها بإشتهاء غير مناسب لأعمارهم. قرر إحداهما مرةً أن يُكلمها فرفضت، والأخر يُحدثها ولكنهم ليسوا أصدقاء.

الساعة تقترب من الثانية عشر، باقي ساعة ونصف ويدق الجرس ليعلن إنتهاء اليوم الدراسي، يشعر الطالبان بالعطش، صيام رمضان يؤثر على معظم من في الفصل فينامون، إنها حصة الموسيقى ولا أحد يلتفت إلى الموسيقى أصلًا، ثم أن المدرس شخص شديد السخافة، فلننم إذًا، ذلك أفضل جدًا.

بعد لحظات، وسوست النفس للطالب الذي رُفض من قبل الفتاةِ أن يرد لها الصاع صاعين، فأخرج ورقةً صغيرة من كشكوله، وكتب عليها بخطٍ غير واضح "يا شرموطة" ووضعها في جيب حقيبتها بجانب القرآن الكريم، لكنه بعد مرور بعض الوقت أيقن أنها لن ترى الورقة الأن، فطلب منها القرآن كي يقرأ فيه قليلًا، ولأنه شهر رمضان الكريم لم تلتفت كثيرًا إلى هذا الطلب المفاجئ الغريب، فأخرجت القرآن من جيب الحقيبة وأعطته له.

أمسكت الفتاة بالورقة الصغيرة التي وقعت من الجيب فجأة، وفتحتها، لتنفتح أعينها على وِسعِهما، فوضعت يديها على فمها في ذهول، وقفزت مسرعةً إلى مدرس الموسيقى السخيف وهي ترتجف. أخذ المدرس منها الورقة، وقرأ ما كُتب فيها، فتوسعت عيناه هو الأخر عن آخرهم، وبدأ في الصراخ الهيستيري لأن هذا الشهر لا يجب أن يحدث فيه مثل هذة الأعمال، والصديق الفاعل لهذة الفعلة ممسك بالقرآن يقرأ فيه وكأن شيئًا لم يحدث.

بعد الكثير من الصراخ، طلب المدرس من جميع أولاد الفصل أن يحضرون في اليوم التالي كي يكتبوا أمامه كلمة من أختياره ليستطيع مطابقة الخط بالخط. في اليوم التالي كان الفاعل أول من وقف أمام باب غرفة هذا المدرس، لحق به صديقه وبعد زملائه في الفصل، وطرقوا باب المدرس، وعندما دخلوا إلى الغرفة قرر المدرس عدم أختبار أحدٍ منهم لأنه إستبعد أن يكون الفاعل من هولاء الذي أتوا قبل كل الناس بشجاعة، فإستثناهم جميعًا، وطلب منهم أن يبلغوا من لم يأتي أن يأتي قبل رحيله، لأنه لابد للفاعل أن يكون واحدٍ ممن لم يأتوا.

مرت الأيام، ونسي كل شخصٍ ما حدث، نسي الفاعل فعلته، ونسي المدرس الحدث الصارخ، ونسي الفصل كله كل شيء، لكن هناك شخصان فقط لم ينسو ما حدث، الفتاة التي تم إهانتها، والطالب الذى رأى كل شيء ولم يكن عنده الشجاعة لكي يفصح عن ما رأى.

Saturday, May 16, 2015

كل فترة في حياتي هي وِحدة واحدة خاصة بذاتها بعيدًا عن ما قبلها، حياتي كلها من أولها حتى الأن عبارة عن فترات، فترات منفصلة كحلقات مسلسل كل حلقة بتحكي قصة مختلفة عن ما قبلها. كل فترة لها بداية ولها نهاية، تبدأ من نهاية ما قبلها وتنتهي عند بداية ما بعدها، دون فواصل أو توقفات.

بقالي فترة كبيرة، ناجح _ولله الحمد_ في تثبيت حياتي بشكلٍ ما كمشاهد متكررة لا جديد فيها، بمعنى أصح مملة، لا تغيير، ولا خير ولا شر، كل شئ ثابت، لذلك عندما يطرأ أي جديد على حياتي بشكل مفاجئ بحس بخوف، بقلق مما سيحدث بعد ذلك، لأنه سيعلن نهاية هذة الفترة وبداية الفترة التي تليها.

المهم إن الفترة الحالية هي فترة مختلفة تمامًا، لا شيء جديد برضه، بس أنا حاسس بغضب غير مبرر، غضب من كل حاجة، ومن ولا حاجة، حتى بدون تفكير، يعني المفروض يسبق هذا الغضب تفكير في المستقبل اللي أصبح مبهم وضبابي ومعتم كوصف الآية الكريمة الغرق في الظلمات "
ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ "، أو الغضب من أنك تعرف يقينًا أنه لن يكون هناك نورًا في آخر النفق، بل أن النفق قد أُغلق من كل إتجاه ولا مجال للفِرار.

بعض اللحظات بتعدي عليا، بحس إني عايز أتخلص من كل شيء، ولحظات أخرى بحس إني عايز أتخلص من كل شيء، ولا يبقى إلا العدم، اللي هو في الأساس محور حياتنا، أو أرفع عن كاهلي كل ما أفكر فيه بالرغم من أنه تافه أو بلا جدوى. زي اللحظة اللي إمينم بيقف فيها قدام كل الناس في فيلمه الوحيد اللي عمله ويقول كل شيء في حياته يمكن للناس إنهم يذلوه بيه بكل قوة وشجاعة، وبعدين بيقلب الترابيزة عليهم، بطريقة صريحة جدًا، بيقول كسم كل شيء، زي ما بتصيبني لحظات بقول فيها كسم الحياة والموت والبلد واللي عايشين واللي راحوا واللي هيجوا، كسم كل لحظة ضعف أصابتني في موقف كان لابد فيه القوة، كسم قلة الحيلة والعجز والقهر في أشياء مالكش يد فيها، كسم كل حاجة فعلًا، الحب والكره والحكمه والعنف والضغط والفراغ، وكل شيء.

ساعات أفكر، إزاي دنيا إتخلقت أساسًا للزوال تكون صعبة بالشكل دة، بالرغم من إن يمكن ظروفي أقل صعوبة من ملايين البشر، أنا مُدرك دة، لكن أنا برضه عارف نفسي، وكل شخص له قدرة على تحمل مصائب ومصاعب الدنيا، بس طالما هي للزوال تبقى صعبة علينا ليه؟ ماحناش قاعدين فيها يعني، ولا مُخلدين، ويبقى إيه الفايدة من صعوبتها علينا طالما إحنا بشر على قدّنا يعني والإنسان ضعيف وكدة؟

الحقيقة إنه مفيش سبب علشان أقول كل الكلام دة، بس إحنا مش محتاجين نبرر كل شيء بنعمله، مفيش وقت للتبرير، وماحدش يستحق إنك تضيع وقت في تبرير شيء له هو أساسًا معترض عليه، أو حتى مش معترض، مفيش فايدة من التبرير.

بس أنا حاليًا، مفتقد حاجات كتير، عارف إن وقتهم عدى وفترتهم خلاص خلصت ولازم أستعد لفترة جديدة، لكن الحنين للأشياء اللي إختفت وأصبحت غير موجودة بيضربك فجأة وبدون مقدمات، وفي النهاية يعني، ما باليد حيلة، مفيش حاجة نقدر نعملها والله، كل شيء ثابت، لا إقتراب، ولا إبتعاد، وربنا _في النهاية_ قادر على كل شيء يعني.

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...