Tuesday, August 19, 2014

ما جناه اليكس.




منذ أيامًا ليست بالبعيده، كان إنقطاع الكهرباء شئ يُفرح الأطفال، يهللون عند إنقطاعه وعند رجوعه، لأنه كان شئ نادر الحدوث، لذلك كانوا ينتظرون إنقطاعه حتى يبدأوا فى عمل الأصوات المرعبه ومحاولة أخافة من يخاف منهم، أو تلاوة قصص الرعب التى يعرفونها عن طريق كبار السن أو خيالهم الواسع عن ما قد يرونه فى الأفلام الأجنبيه.

أما الأن، فإنقطاع الكهرباء لم يعد بالشئ المُفرح، لا للأطفال ولا للكِبار، لا عند إنقطاعه ولا عند رجوعه، بل أصبح يشكل عبئًا ثقيلًا على جميع أفراد الأسره، الأجهزه تتعطل، الطعام يفسد، العرق يأكل أجسادنا فلا نستطيع النوم، فلا النوم أصبح مريحًا ولا الأستيقاظ.

ولكن ما الذي يحدث حقًا؟ هل حقًا هناك ضعف فى موارد الدوله؟ زيادة سكانيه وتوسع يقابلها قله فى الموارد الطبيعه، أم أن الدوله تحاول قمع المواطنين عن طريق الإنقطاع الدائم بصوره مستفزه عنهم؟ لم اؤيد نظرية الموامره فى حياتى قَط، لكنها فقط محاوله للتسليه فى ظل إنقطاع الكهرباء الأن.

منذ فتره قرأت مقالًا عن أن البشر فى مصر الأن أصبحوا اكثر شراسه تجاه بعضهم البعض بشكل لم يكن متوقع، ويرجّح كاتب المقال إلى ان السبب هى الحاله النفسيه السيئه والضغط العصبى والكبت الذى يعانى منه جميع البشر تقريبًا فى مصر، فيمكن أن تجد خبرًا يقول أن هناك من قتل جاره بسبب ركنه للسياره، أو من قتل زوجته فى نهار رمضان بسبب أنها لم تُحضّر طعام الإفطار، أو بسبب مبلغ ضئيل من المال.

لم يعد المواطن يتأهّب فقط لمعاركه الكبيره، بل أحاطت المعارك الصغيره به من كل جانب، فأصبح خروجه إلى الشارع يمثل معركة، ومحاولة لحاقه لوسائل المواصلات معركة، نجاحه فى رجوع بيته سالمًا معركة، فأصبح ينفعل لأقل شئ، ويتقاتل على أشياء ربما تكون فى نظر عموم الناس شئ تافه لا قيمة له. فما الذي يمكن أن تفعله الدوله تجاه شخص بهذه الشراسه؟ وجب تأديبه.

إذا كنت على درايه بطريقة تربية الكلاب فستعرف جيدًا ما اتحدث عنه من تأديب الكلب وجعله مُطيعًا لك صاغرًا لكل أوامرك، لأن شراسته ستكون مفيده لكن فى لحظات لكنها مُضره فى معظم الأحوال، فتأدبه عن طريق بعض الحركات والكلمات التى تقولها له، تعلمه كيف يجلس بكلمه، وكيف ينبطح على بطنه بكلمه، وكيف ومتى يزمجر ويعوي على من تريد بكلمه، فتسطيع أمتلاكه حقًا حينها.

هناك ايضًا فيلمًا (رواية) يدعى "Clockwork orange" تأليف انطونى برجيس واخراج ستانلى كوبريك، ويتحدث عن شاب اسمه اليكس وهو رئيس عصابه من العصابات التى سيطرت على الشارع فى لندن، فجابوا الشوارع يغتصبون النساء ويضربون الماره ويتحرشون بهم بلا أدنى سبب، وفى يوم من الأيام قرروا الدخول إلى بيت مؤلف واغتصاب زوجته أمامه كنوع من التسليه، بعدها يتورط اليكس فى قضية قتل امرأه، عندها أستشعرت الدوله الخطر من أستفحال هذا الشخص فقررت معاقبته.

قبضت الشرطه على اليكس وقررت علاجه بطريقه جديده، وهى تحويله من شخص شرس إلى شخص وديع مُطيع لا يستطيع حتى النظر فى وجه الماره فى الشوارع، فأرغموه على مشاهدة أفلام عنيفه وجنسيه بلا إنقطاع مع حقن تسبب له الغثيان والمرض، فترتبط لديه شهوتى العنف والجنس بالغثيان، والنتيجه كانت تحويله فعلًا إلى كائن مُطيع لا يستطيع على حمل عصا خشبيه حتى.

لن يستطع اليكس بعد ذلك اغضاب الدوله، بل لن يستطع اغضاب احد، فقد قامت الدوله بتهذبيه إلى حد انه شعر انه لا مكان له فى هذا العالم، لا شئ يمكنه ان يفعله تجاه ما يحدث حوله، لم اتعاطف مع اليكس عندما أستفحل قوته واراد ان يفتك بكل شخص يقابله، ولكن وجوده على هذا الحال لا يسر ايضًا، كان يمكن تحويل اليكس إلى شخص صالح يفيد الدوله حقًا، لكن ليس هذا ما تريده الدوله، ليس هو ما تريده.

ما حدث لاليكس هو ما يحدث لنا فى هذه الأيام من فقد لأنسانيتنا عن طريق محاوله قمعنا والقضاء على ماتبقى لدينا من عقل، يريدونا كما ارادوا اليكس، كائنات مطيعه وديعه لا ترفع حتى صوتها على غيرها، ولا تفكر الا فى اقل حقوقها، ككلاب الحديقه لا يهمها إلا اكلها والمأوى فقط، وأطن أن محاولة نزع صفة الشراسه عنّا تتم بنجاح الأن.
   



No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...