Monday, September 23, 2013

حوار مع النفس و الذات و الاهرمات.


اجلس بمفردى مستمتعًا بكوبٍ من الكاكاو الساخن، غير مبالى بأى شئ حولى، لا اعبأ بما يقوله الرجل لزميله عن اهمية ان يدخل مسرعًا إلى البيت حتى لا تلاحقه الشرطة، اخذت رشفةً طويلة .. و سمعتُ صوتًا يقول "أنت مبسوط بحياتك؟" ...

-اة، هى ليلة مش معدّية على خير شكلها، انت عايز منّى اية؟ مش قولنا مش هنتكلم تانى؟

-قُلت بس امسى عليك، مبسوط؟

-*يقولها بخبُث انا اعرفه* مالكش دعوة، مبسوط اة .. خليك فى حالك!

-مبسوط بأية؟ انت فى حاجة فى حياتك تبسِط؟ .. الا قولّى، امتى كان اخر مرة نفسك فى حاجة و عملتها او جبتها؟

-*صمتُّ قليلًا اُفكر فى ما يقول، احقًا انا لا امتلك شئ مما اردت؟* ... مبسوط بنفسى، مبسوط بعيلتى، مبسوط بأصحابى، مبسوط انى بصحى كل يوم مبجريش على علبة دواء او بمسك عصاية جنبى علشان تدلنى على الطريق، و اة فعلًا كان نفسى فى حاجات كتير اعملها و حاجات اكتر اجيبها، بس الحاجات دى ممكن اعيش من غيرها يعنى .. عادى مش هموت، اهم حاجة بس انت تحل عن دماغى علشان عايز اكمل الفيلم!

-هو دة اللى انت فالِح فيه، فيلم .. كتاب .. و بس، ولا بتعمل حاجة فى حياتك غير كدة .. و العمر كل يوم بيفوت و انت ولا بتتحرك و المستقبل بيسوّد يوم عن يوم، امتى هتتحرك؟

-بقولّك اية؟ متجيب ربابة و تمشى تغنى فى الشوارع؟ او تعالى نشحت قدام كارفور! و بعدين ملكش دعوة بالمستقبل علشان دة لا بأيدى ولا بأيدك!

-بلاش المستقبل، فاكر الماضى؟ *قاطعته* "انت مبتسمعش عمرو دياب؟ مبلاش نتكلم فى الماضى، الماضى دة كان كله .... جراح!" .. فاكر لما كنت بتتنازل عن حاجات كتير فى سبيل ان بس الناس تفضل تتكلم معاك؟ فاكر لما كنت تعمل حاجة بتكرهها علشان الناس تفضل مصاحباك؟ فاكر اتذليت قد اية على حاجات ملهاش لازمة؟ فاكر اللى باعوك؟ طيب فاكر اللى انت بعتهم؟ فاكر اللى كنت بتكلمهم و بيكلموك و دلوقتى تشوفهم متسلمش حتى؟

-*احاول ان اكتم غضبى و اتعامل بشكل عقلانى مع ما يقول* طيب ما انت قُلت الكلام دة من الماضى، و كنت لسة صغير و الواحد مبيتعلمش ببلاش، و الناس اللى كانوا موجودين فى حياتى جم احسن منهم و عوضوهم، انت بتحوّر لية بقى و محسسنى انّك مش واخد بالك و انّك من بنها؟

-بتقولى مبسوط بنفسك؟ طيب بص فى المراية، ها؟ لسة مبسوط؟ عامل زى دب الكوالا .. ممكن اسيبك مكانك و بعد سنة ارجع الاقيك مكانك!
فاكر اصحابك زمان؟ دلوقتى بقى فيه اللى شغال و اللى عمل شغل خاص بيه و اللى اتجوزت و اللى خلفت و اللى و اللى و اللى .. و انت؟ ولا حاجة!

-*لم اعرف ماذا اقول؟ بماذا ارد على هذا الكلام؟ قررت الصمت ...*

-و اصحابك اللى بتفكر انهم ممكن يكونوا مش فرحانين برضه، حياة اى واحد فيهم احسن من حياتك بكتير، تقدر تقولى انت عندك اية؟ طيب هما اللى عنده شغل مستنيه ولا هيتجوز لما يخلص واللى عنده شقة واللى عنده عربية واللى عنده كل حاجة .. و انت؟ ولا حاجة!

-مش عارف انهى جملة فى الكلام دة ممكن انها تشجعنى انى اشتغل او اعمل حاجة لنفسى؟ طيب اعمل اية؟ اروح اعيش فى كوكب تانى زى مدحت صالح؟

-مين قالك بس يا ابنى انّك هتلاقى اللى انت عايزه فى كوكب تانى؟ انت اتولدت فقرى .. هتعيش و تموت فقرى .. فى ناس كدة لو مسكت التراب يتحول لدهب .. و فى ناس اصلًا ترابها دهب .. و فى ناس زيّك .. لا تشوف التراب ولا الدهب!

-*كثيرٌ مما يقول حقيقة، ولكن ...* طيب ما انت معايا اهه فى نفس المشكلة؟ مشجعتنيش مرة انى اخرج منها لية؟

-انا .... *رد بحيره*

-ايوة انت .. بس انا هقولّك بقى .. انت عايز ترمى كل حاجة على الظروف .. و تقعد تشتكى طول النهار من قله الفلوس و قله المعارف .. و تقعد تقول مش انا السبب .. اريّح مش كدة؟

-تنكر ان السعادة فى الفلوس؟ تنكر انك لو كان عندك فلوس كنت هتبقى مرتاح؟

-بص، انا مش هحوّر و اقولّك ان السعادة مش فى جمع المال و السخف المركب و الجهل المبين و الجو دة، انا هقولّك بس ان الفلوس سبب من اسباب السعادة، بس مش هى السعادة .. اية رأيك يكون عندى فلوس، و عندى مرض بيخلينى مش قادر اتحرك و الناس بتتعامل معايا بشفقة علشان انا قعيد؟ طيب عندى فلوس و سليم و مُعافى .. بس مليش حد اعيش معاه و عايش لوحدى و الناس بينافقونى علشان الفلوس .. اية؟ حلوة الحياة كدة؟
-ولا اقولّك على الناس اللى بيشتغلوا و يتعلموا فى نفس الوقت؟ و بيبذلوا مجهود فى حياتهم اكتر منك؟ و انت تقولى مبسوط بأية؟ الناس دى محتاجين الوقت و المجهود اللى انت بترميهم فى الارض، على الاقل بتلاقى حاجة تاكلها .. حاجة تلبسها من غير ما تتعب!

-*......*

-علشان تعرف ان السعادة ممكن تيجى من غير فلوس .. الفلوس مهمة و هى الحاجة اللى كل الناس عايشة علشان تجمعها، بس مش هى الحاجة الوحيدة اللى ممكن تسعدنى، عايزنى اعيش مكتئب؟ و اضيع وقت فى انى اشتكى من قله حاجات مش هتيجى لوحدها؟ مشوفتش كل قصص الكفاح فى الافلام اللى اتعملت؟ اي نعم كل الممثلين قابضين بالملايين بس دة ميمنعش انهم تعبوا فى اول حياتهم برضه، بعيدًا عن ولاد الممثلين يعنى!

-اهه بنفسك شوفت؟ الواسطة هى الحاجة الوحيدة اللى شغاله فى البلد .. من غير مركز و فلوس .. انت ولا حاجة!

-أنا معاك فى النقطة دى؟ بس لو معنديش فلوس ولا مركز؟ اموت يعنى؟ يعنى الحاجة الوحيدة اللى ادهالى ربنا هى حياتى .. اسيبها و اعيش ميّت؟ هتبقى اية الفايدة؟ كفاية اللى ماتوا و اللى بيموتوا، هنعيش احنا كمان ميتين؟
بقولّك اية؟ متغور بقى و ابعد عنى و سيبلى دماغى علشان انت قرفت اللى جابونى، لولا ان انت انا .. انا كنت شتمتك بكل الشتايم اللى اعرفها فى حياتى و اللى معرفهاش!

-خلاص خلاص ماشى، بس خليك فاكر انت اللى خسران!

-انا ابقى خسران فعلًا لو قعدت اتكلم معاك تانى، ابو اشكالكوا بتجولنا منين؟

انظر لأرى ان تترات النهاية تنزل على الشاشة و ان الفيلم قد انتهى، و لكن التفكير لم ينتهى .. "الله يخرببيتك قلبتلى دماغى" ...

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...