Friday, May 24, 2013

ليلة فى البيت القديم ...

كنت قد سافرت للعمل فى بلد خليجى لكسب العيش .. اعمل مديراً لاحدى شركات الهندسة فى الخليج .. سافرت بعد التخرّج بثلاث سنوات .. لم اكن اعرف اننى سأعود الى بلدى.

ماتت امى .. ماتت من بقى لى من بعد ابى .. فأنا لم يكن لى اخوه ولا اخوات .. عدت بعد ان سمعت الخبر .. لم يكن سهلاً على تحمل هذا الخبر الصادم .. ظللت ابكى حتى كادت ان تجف عروق عينى.

عدت و لم اكن اريد العودة .. عدت و ذهبت لجنازتها .. جنازة امى الحبيبة .. لم استطع الوقوف لاكثر من نصف ساعة .. فقد هزيلاً كورقة قُطعت من كُراس.

بعد العزاء قررت الذهاب الى بيتها .. او بيتى القديم الذى عشُت فيه اجمل سنين عمرى .. قد كان بيتاً قديماً فى الجمّاليه .. مكون من اربعة طوابق فى كل طابق شقتين.

شقتنا فى الدور الاخير من البيت .. هذا البيت بناه جدى قبل خمسين سنة .. و كان لا يُسكنه الا لافراد عائلتنا .. و لكن بعد سفر عدد كبير منهم للخارج .. باع الشقق الفارغة.

فى الشقة التى امامنا كانت تسكن عائلة مكونه من اربعة .. الاب و هو متوفى منذ زمن .. و الام و هى من ترعى الاسرة .. و ابن يعمل مهندس بترول .. و بنت متزوجة.

صعدت الى الشقة بصعوبة .. فقد كان السُلّم قديماً و مُتأكلاً .. صعدت و اذا بى اسمع صوت جارتى ابله وفيّه تنادى على ابنها "يا محمد .. يا محمد" .. كانت تترك الباب مفتوحاً لانها لا تستطيع الحركة كثيراً .. دخلت عليها بأبتسامة "نعم يا أمى .. اؤمرنى" .. نظرت الى بتضيق العينين كى ترانى جيداً "مين؟ طلعت؟ ازيك يا ابنى .. قلبى عندك يا حبيبى والله فى اللى حصل .. الله يرحمها شدة و تزول".

منعت دموعى بصعوبة و قُلت لها "الحمدلله .. الله يرحمها .. البركة فيكى يا أمى" .. نظرت الى بحزن و حاولت رسم ابتسامة على وجهها الملئ بالتجاعيد التى تحكى قصصاً كثيرة عن كفاح هذة المرأه "البركة فيك أنت يا حبيبى .. أنا مش عايزة اتقّل عليك والله" .. "لا لا ولا يهمك يا أمى اؤمرينى بس" .. رفعت يدها بصعوبة و شاورت على صورة مُعلّقة للحاج سليمان زوجها "هاتلى الصورة دى يا ابنى .. كنت عايزة بس احطها جنبى" .. قُلت فى نفسى "يا الله .. فى حد عنده وفاء كدة فى الدُنيا؟".

ذهبت لأحضار الصورة و اذا بى التفت ورائى فلا اجدها! .. "اية دة هى راحت فين؟" .. تحركت فى المكان التى كانت تجلس فيه على كرسيها المتحرك و تحركت فى الشقة "يا أمى انتِ رُحتى فين؟".

سمعت صوتاً يرد من داخل احدى غُرف البيت "انا هنا يا ابنى" .. ذهبت إلى مصدر الصوت و وجدتها قد نامت على سريرها .. ابتسمت "الصورة اهى يا امى اتفضلى" .. اخذت الصورة و وضعتها بجانبها و لم تتكلم ؟.. ظلّت تنظر اليها فقط  .. نظرت اليها و قُلت "امال فين محمد مش قاعد معاكى لية؟" .. نظرت الى و قالت "محمد مسافر .. مسافر من سنتين".

قُلت فى نفسى *مسافر .. مسافر اية دى لسة كانت بتنادى عليه مش شوية؟!* .. قررت ان اتركها لتستريح "انا همشى بقى يا أمى لو احتجتى حاجة انا فى الخدمة بس اندهى و انا اجيلك جرى" .. نظرت الى بحده و قالت "استنى .. قبل ما تخرج رجع الصورة مكانها .. الحاج مش مرتاح و هو هنا" .. استعجبت من كلامها *حاج اية اللى مش مرتاح دة .. الست تقريبأ بتخرف! ربنا يشفيها*.

اخذت منها الصورة بأبتسامة مزيّفة "حاضر يا أمى" .. ذهبت لاضع الصورة مكانها فلم اجد المسمار .. *هو المسمار وقع و أنا برفع الصورة ولا اية؟ جايز .. انا احطها هنا و اروح شقتى و بكرة ابقى اركبلها مسمار غيره* وضعت الصورة على الطاولة و تحركت نحو الباب و اذا به مقفول *مين الغبى اللى قفل الباب؟ جايز الهوا ولا عيل من العيال الشياطين جيرنا دول* فتحت الباب و خرجت و تركته مفتوحاً و ذهبت الى شقتى.

كان الباب مغلق بالمفتاح .. اخرجت المفتاح من جيبى .. و اذا به لا يفتح الباب *يادى النحس .. المفتاح ماله بس؟ اية امى الله يرحمها غيرت الكالون ولا اية؟ اشوف يمكن حاجة وفيّة عندها نسخة؟".

نظرت خلفى و وجدت الباب مفتوحاً .. دخلت الى الشقة و فؤجئت بالحاجة وفيّة تجلس بكرسيها المتحرك فى نفس المكان! "انتِ هنا يا حاجة؟ انا اسف بس كنت عايز اسألك بس هى ماما قبل ما تتوفى كانت غيرت الكالون؟" نظرت الى بأبتسامة عجيبة "لا يا ابنى امك مغيرتش الكالون يمكن بس الكالون معلّق" هززت رأسى "اة صح جايز برضه" .. و بينما استعد للخروج و اذا بى افأجئ بصورة الحاج مُعلقه كما اخذتها و لم تكن على الطاولة كما تركتها .. شعرت بان الدم هرب من عروقى  و لم يعد بمقدورى الوقوف فقد كانت ركبتى تشتبكان مع بعضهم البعض و اشعر بقشعريرة فى ظهرى ..

ماذا يحدث هنا؟ ما الذى يحدث لى فى هذا البيت؟ هل انا احلم ام ان الحقيقة اكثر رعباً من الحُلم؟ .. يُتبع ....

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...