Thursday, May 9, 2013

أضواء ... 1

كان ياما كان ...

كان هناك فتاة صغيرة مفعمه بالحيوية تحب اللعب كثيراً .. كان ابويها طيبان و يرعيانها افضل رعاية .. و لكن الله ابتلاها من ولادتها بالعمى .. فلم تكن تعرف شكلها ولا اشكال من حولها .. كانت فقط تعرفهم من رائحتهم او ملمسهم .. رائحة ابويها كانت المسك و العنبر بالنسبة لها .. و رائحة منزلها كانت رائحة الورد ....

فى يوم من الايام اخذاها للحديقة فى يوم عيد ميلادها لتلعب مع ابناء جيرانها و ابناء اصدقاء ابويها .. لعبت كثيراً حتى احست بالظمأ .. تريد شرب كوباً من الماء ليرويها حتى تستطيع ان تُكمل اللعب .. ذهبت بعصاها إلى احواض المياة  ...

هناك كان يقف فتى صغير .. بائع البالونات و الورود .. يرتدى جاكيت بدلة مهترء قديم اكبر من حجمة يبدوا كمعطفٍ .. و يظهر على وجهه ابتسامة جميلة مُشرقة ..

جاءت هى لتشرب الماء .. كانت تغسل الكوب فرمت بعضاً من الماء عليه .. فلم يكن منه الا انه وخزها فى كتفها .. فقالت بكل لطف و هى تنظر ناحيته "أنا اسفه مشوفتكش .. أنا اسفه لو جت عليك حاجة مش قصدى" ...

عرف انها كفيفه لا ترى .. لم يقل شئ بل ابتسم و امسك بيدها و اعطى لها ورده و بالونه .. فقالت له "دول ليا أنا .. شكراً" و اكملت فى برائه و تلقائيه "أنت تعرف ان النهاردة عيد ميلادى؟ و بابا و ماما جابونى هنا علشان العب و اجرى" و ابتسمت ابتسامة جميلة ...

فما كان منه الا ان ابتسم و اعطى لها جميع البالونات .. فقالت له "شكرا ليك انا بحبك اوى .. دى احسن هديه جاتلى" .. شعر لأول مرة بقلبه يخفق .. و كأنه يطير فى السماء .. يرى الدنيا كلها ورود و بالونات و فرحة .. كانت سعادة بوسع السماء ...

أخذت منه البالونات و كانت تسرع خطاها لتذهب الى ابويها .. تملؤها السعادة و الفرح .. أحست بالفعل انه اجمل يوم فى حياتها ..

وقف الشاب ينظر لها و هى تمشى .. و لم يلتفت إلى انه لم يعد لديه ما يبيعه سوى بعض الورود .. ولكنه لم يكن حزيناً ..

بعد أنهاء اليوم ذهب كل منهم فى طريق .. هو إلى بيته الصغير مع اخوته الاربع .. و هى الا بيتها الكبير كانت لا تزال ممسكة بالبالونات و هى نائمه فى سريرها ..

مرت الايام .. و اصبح والدها غارقاً فى الديون بسبب انه تشاجر مع مديره فى العمل لانه كان لصاً .. فكان جزائه ان طرد من العمل و اصبح بلا عمل .. باع المنزل الكبير و ذهبوا جميعاً ليعيشوا فى منزل عائلتهم القديم الصغير ..

اصبحت الفتاة لا تشعر بالسعادة .. اصبحت تشعر ان الدنيا قد ضاقت .. و انه لم يكن بوسعها السعادة مرة أخرى ..

كانت تسير فى الحارة الصغيره مع والدتها .. فرأها الفتى الصغير بائع البالونات .. لم يصدق انها هى .. وقف يراقبها من بعيد و هى تمشى و على وجهها تعاسة تجعلها كأنها فى الخمسين من عمرها .. كانت على وجهه ابتسامة اختف سريعاً و قد حزن لرؤيتها هكذا ...

فى يوم من الايام سمع احد الجالسين على المقهى يقول "تعرف يا سعيد افندى انهم لقوا علاج دلوقتى للعمى؟ أنا مذهول" يرد سعيد افندى "بس دة تلاقية غالى اوى يا محمد افندى" .. ينظره له محمد افندى "لا ولا غالى ولا حاجة .. مكتوب ان الدكتور اللى بيعالج عاملها بسعر رمزى 30 جنية فقط" يتعجب سعيد افندى "30 جنية بس .. والله يا بلاش .. و فين عيادة الدكتور دة بقى ان شاء الله؟" يرفع محمد افندى نظارته و يدقق فى العنوان "اهو شارع عزبة النخل نمرة 4 عيادة الدكتور عبد البصير" .....

يجرى الفتى و كان قدماه لا تلمس الارض فرحاً .. لقد وجد حلاً سيسعد الفتاة التى قالت انها احبته .. و لكن كيف سيجنى الثلاثون جنية و هى لم يدخر غير عشرين جنية طيله حياته؟

يُتبع ....



No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...