Thursday, May 9, 2013

اضواء ... 2

ظل يفكر الشاب الصغير .. كيف سيجمع مبلغ عشرة جنيهات؟ هو ليس بالمبلغ الهيّن انه يحتاج لأكثر من ثلاث سنوات حتى يجمع هذا المبلغ ....

فكر فى ان يعمل اعمالاً اضافيه .. يمسح احذية على المقاهى .. يعمل جارسون فى كافيتريا الجامعة .. و يغسل الصحون ليلاً فى مطعم .. و يبيع البالونات و الورود و السعادة المجانيه للناس ...

جمع بعد شهرين من الاعمال الشاقة فقط ثلاثة جنيهات .. انه يحتاج حوالى سته اشهر لكى يُكمل المبلغ .. و هو لا يعرف كم هى المدة التى سيبقى الطبيب يجرى فيها العمليات بهذا السعر الرمزى .. هو يريد حلاً اسرع من هذا ...

يسير وحيداً فى الطريق حائراً لا يعرف ماذا يفعل؟ ظل يفكر و يفكر .. و فجأة رأى شابٌ فى العشرينيات من عمره يظهر عليه الثراء .. يتعرض للضرب من قبل لصين يريدان سرقته .. ركض سريعاً و صاح بهم "اوعى ياض انت و هو .. امشوا من هنا" و امسك حجراً من الارض و رماه فى اتجاههم .. فركضوا كالفأران ...

ذهب هو و امسك بالشاب الثرى قبل ان يقع على الارض  .. علم ان الشاب كان مخموراً .. قال له "أنت ايى اللى عمله فى نفسك دة بس يا باشا .. و لية تمشى فى الامكان البطاله دى؟" .. رد عليه و هو يتلعثم فى كل كلمة "عايز اروح .. أ .. أأأأأ .. أفوق" .. يمسك به الشاب و يرفعه ليقف على قدميه "قوم معايا .. قُلى بيتك فين و انا اوصلك .. انت متدهول مش شايف قدامك .. الله يخربيت الخمرة واللى بتعمله فى الناس .. قوم" .. يتعكز عليه الشاب الثرى و يمشى معه ....

بعد وصولهم إلى المنزل .. القى الشاب الفقير بالشاب الثرى على الاريكه و قال و نظرات التعب تعلو وجهه "اووف تعبتنى يا أخى .. لما انت مش قد الشُرب و السُكر بتسكر لية؟" ... رد عليه الشاب الثرى و هو يتمايل برأسه فى الهواء "عايز انسى هممووووومى عايز ... عااااايز انسى كل حاجة" .. نظر لية الشاب الفقير نظرة استنكار و تعجب "همومك؟ هموم اية بس اللى بتقول عليها دى؟ أنت عايش فى بيت اكبر من الحارة اللى انا عايش فيها! و تقولى هموم؟" ....

نظر له الشاب الثرى و هو يحاول ان يُثبت رأسه و يحاول فتح عينيه "أنت شايف البيت دة كله؟ ااااهو انا البيت دة عايش فيه لووووحدى .... من غير حد يسأل عليا .. من غير حد اهتم بيه و يهتم بيا .. مفيش غير خدم و طردتهم كلهم .. مليش حد فى الدُنيا .. ابويا الباشا و امى ماتوا و سابولى ككككككككل اللى انت شايفه دة .. لكن مع ذلك مش حاسس بطعم الدنيا .. مش حاسس ان فى حد يسأل عليا" .. سكت قليلاً ثم نظر له "انت من النهاردة صديقى الجديد .. انت اكتر واحد مهتم بيا" .. رد عليه بتهكم "صديقك .. ايش جاب لجاب؟ دة انا يا دوب اكون خدام عندك فى البيت دة!" ..

يقف على رجليه يترنح قليلاً ثم يثبت "لا *بصوت عالى* انت هتبقى صديقى الجديد و هسبتلك دلوقتى .. اطلب اللى انت عايزة و انا اديهولك عايز اية؟ قول!!" .. لمعت عين الشاب الفقير فجأة و كأنه وجد مصباح لص بغداد و ستحقق له احلامه كلها .. سيطلب منه الف جنيهاً .. لا بل الفان .. و لكنه سرعان ما اعرض عن هذه الفكرة و قال فى نفسه "أنا ميصحش اعمل كدة و هو متدهول للدرجة دى .. أنا استنى معاه لحد الصبح و بعدين اطلب منه" ....

ظل الاخر يردد "قول .. عايز كام؟ قول متتكسفش و متخافش قول" إلى ان سقط على الارض مغشياً عليه و هو يحاول الوصول إلى الخزنه ... و نامو حتى الصباح ...

و فى الصباح عندما اشرقت الشمس .. استيقظ الشاب الثرى اولاً و وجد نفسه بملابسه من الليلة الماضية .. و صاح بصوت عالى "يا اسماعيل يا متولى انتوا فين يا بهايم؟" .. فاستيقظ الشاب الفقير خائفاً "اية مالك؟ حصل اية؟" .. رد عليه الاخر فى خوف و ارتعاش "أنت مين؟ أنت حرامى؟ لو حرامى خد اللى انت عايزه و سيبنى و امشى" .. رد عليه بتعجب "حرامى! أنا اللى انقذتك ليلة امباح من المجرمين اللى حاولوا يسرقوك و جبتك لحد هنا قوام نسيتنى؟ اخص عليك ميتمرش فيك" .. نظر له الشاب الثرى و قد ظهرت عليه علامات الغضب "امشى اطلب بره بيتى امشى أنا معرفش الاشكال دى امشى" ...

خرج الاخر و على وجهة علامات الغضب و الحسرة "معدوم الضمير و سكرى .. انا كنت اخدت منه الفلوس امبارح و مشيت .. يعنى و هو سكران بيعاملنى زى صاحبه .. و هو فايق فاكرنى حرامى .. يا ريتنى شربته على الصبح و اخدت منه الفلوس"

يسير فى الشوارع .. ما زال يفكر فى حل يوفر به المال المطلوب .. و هو يسير وجد امامة اعلان مكتوب عليه "مسابقة للجرى مسافة 200 متر و الفائز فيها له جائزة قدرها عشرة جنيها للمركز الاول .. و سبعة للمركز الثانى و خمسة للمركز الثالث .. على من يريد التقدم للمسابقة الوصول الى النادى فى الحى المجاور" .. قال فى نفسه الشاب "اما حته صدفة انا اروح اشارك فى المسابقة و اكسب و اجمع الفلوس علشان تعمل العملية" ...

ذهب إلى النادى .. و شارك فى المسابقة و هو يعرف انه سريعاً .. و لكن كان هناك شاب طويل يقولون انه بطل الجرى لهذة الفئة .. لم يعره اهتماماً .. بدأت المسابقة .. ركض الشاب الفقير مسرعاً و يلاحقه هذا الشاب الطويل بسرعة رهيبه .. اصبح الفارق بينهما قليلاً جداً .. يركضان بسرعة فى محاولة للفوز بهذة المسابقة و نيل العشرة جنيهات .. تخطاه الشاب الطويل و لكن سرعان ما لحقه الشاب الفقير .. هل يفعلها و يفوز؟ .....

أخيراً وصلوا إلى خط النهاية متقاربين جداً .. عبروا خط النهاية تقريباً معاً .. لم يعرفوا من فاز .. لكن جاء قرار الحكم بأن الشاب الطويل بطل الجرى قد فاز .. لم يحزن الشاب الفقير لانه حصل على مبلغ السبع جنيهات هذا المبلغ يمكنه من اكمال الثلاثين جنيهاً لكى تجرى الفتاة التى يحب العملية ..

ذهب سريعاً إلى منزله و جمع الثلاثون جنيهاً و وضعهم فى صندوق و معهم الخبر بعنوان الطبيب و وضعهم امام بيتها و ركض بعيداً .. خرجت الام تتفقد ما هذا .. اعتلت وجهها ابتسامة و فرّت من عينها دمعة تدل على الفرحة .. اخيراً سوف ترى ابنتى الحبيبة الضوء ...

فى اليوم التالى ذهبوا للطبيب .. و اعطاهم ميعاداً لكى يجرى لها العملية .. و بالفعل جائت فى اليوم المحدد لها و اجرى لها العملية .. كانت صعبة عليها و على الاسرة و لكن الاصعب كان يوم ان ازال الطبيب العصبه من على عينها .. كانت تحاول فتح عينها و ترمش بهم كثيراً .. تغطى عينها من شدة الضوء بالنسبة لها .. أول مرة ترى الضوء .. رأت أبويها اخيراً .. ميزتهم من رائحة المسك و العنبر .. رأتهما يبكيان و يضحكان فى نفس اللحظة .. و هى تبكى و تقول "أخيراً شوفتكوا انا كان متهيألى انى هموت من غير ما اشوفكوا" .. ينفجروا جميعاً بالبكاء فرحاً برجوع النظر إلى ابنتهم .. و يغادرون العيادة ....

يسير الشاب الفقير فى الطريق كعادة .. فى يوم مشمس و لا يعرف حتى أين يذهب .. جلس عند محطة الحافلات من شدة التعب و الحر .. و جلست بجانبه شابه جميلة .. لم يراها كان قد وضع جريدة على عينه من شدة سطوع الشمس و ضوئها .. سمع صوت شئ يقع على الارض .. لقد وقع منها كتابها التى كانت تمسك به و وقعت منه وردة .. التقتت هى الكتاب و التقت هو الورد و رفع وجهه ليجد انها هى .. هى الفتاة التى احبها من كل قلبه .. انها هى بالفعل تنظر له و لا تعرفه ....

اعطاها الوردة و قالت له "شكراً" و لكن عندما لامست يده و قبل ان تسحبها .. علمت انها لمست هذة اليد من قبل .. و نظرت له و فى وجهه ابتسامة بلهاء كأبتسامة طفل وجد لعبته المفضلة .. نعم .. نعم تذكرت .. انها تلك اليد التى اعطتنى الوردة و البالونات .. كيف يمكن ان انسى اغلى هدية فى حياتى .. كيف يمكن ان انسى هذا الولد الكريم ..

نظرها لها و اشار على عينيه ثم لها و قال و الدموع تنهمر بغير قصد منه تفضح ما بداخله من سعادة لا توصف و قال "شايفانى؟" .. فردت عليه بأبتسامة مريحه و قالت "مش شايفه غيرك" .. لم يتمالك نفسه من البكاء .. بكى و هو سعيد .. لقد ابصرت من خطفت قلبى بدون ان تنظر لى .. لقد احبها اكثر من اى شئ و ضحى بكل ما يمتلك من اجل تلك اللحظة الثمينة .. يا الله .. لم يشعر بهذة السعادة من اللحظة التى اعطاها الوردة و البالونات ...

فلم يكن منها الا ان ابتسمت و قالت له "أنت مبقاش معاك بالونات؟ تيجى معايا نروح نشترى؟" .. لم يرد فقط اشار برأسه بالموافقة .. نعم اريد ان اذهب معكِ اينما تذهبين .. ستكونين انتِ حياتى القادمة .. فقط .......

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...