Sunday, May 26, 2013

ليلة فى البيت القديم ... 2

نظرت الى صورة الحاج المعلقه امامى على الحائط و أنا ارتعش خوفاً .. ركضت بسرعة نحو الباب و خرجت .. هل احلُم؟ ما الذى حدث بالداخل .. اخذُ نفسى بصعوبة بالغة .. لا اجد الاكسجين فى الهواء .. اشعر كأننى سوف اقع على الارض من شدة الخوف و التعب.

تحاملت حتى وصلت إلى باب شقتى .. وضعت المفتاح فى القفل .. و بكل ما تبقى فى من قوة .. فتحت الباب و كأنه الملجئ و الملاذ الاخير لى!

فتحت الباب .. وجدت كل شئ مُرتب كما تركته .. لم يحدث الا بعض التغيرات فى الاثاث .. اريكة جديدة انظمت إلى المجموعة لونها ارجوانى .. و لكن المكان مملوء بالتراب .. دخلت إلى غرفة امى فوجتها كما تركتها تماماً .. سريرها فى الجانب الايسر من الغرفة .. و كرسيها المتحرك تحت النافذة كما هو .. و كانت لا تزال تحتفظ بمجموعة من صورى فى كل مراحلى العمريه على الحائط امام الكرسى.

وجدت على المنضدّة .. نظارتها الزرقاء الكبيره التى كانت تزين وجهها وقاراً .. و اخر كتاب كانت تقرأ فيه "تاريخ اورشليم" .. ما هذا الكتاب؟ و لماذا كانت تقرأ فيه امى؟! .. هل اصبحت مهتمه بالتاريخ اليهودى القديم؟ لا أعرف .. ربما.

مرت علي الساعات و انا جالس فى كرسيها المتحرك و اتذكر ذكرياتى معها .. اتذكر كيف كانت تعاملنى بلطف شديد حتى عند الخطأ .. كانت مثالاً للرحمة على الارض .. رحمكِ الله يا أمى .. تذكرت و نزلت الدموع من عينى .. حتى احسست انه غلبنى النعاس .. ما هذا؟ ما الذى اسمعه الان؟ .. اهو صوت امى؟ نعم انه صوت امى .. تغنى لى اغنيتى عندما كنت اذهب للنوم "نام يا حبيبى نام" كانت تغنيها بصوت رقيق .. هل احلُم؟ اننى اسمع صوتها يقترب من اُذنى .. اسمع جيداً كلمات الاغنية فى اذنى اليسرى .. اسمع معها صوت اهتزاز مهد! .. هل وصلت لهذة الدرجة من التعب و الارهاق حتى اسمع خرافات فى اذنى؟!

قلبى يخفق بسرعة شديدة .. اشعر و كأنها بجانبى .. تهز كرسيها الذى اجلس عليه .. لا اعرف ماذا افعل؟ .. انتفضت من مكانى اتلفتُ حولى فلم اجد احداً .. لم اجد شيئاً .. اغمضت عينى و تنهدت فى ارتياح.

دخلت إلى غرفتى القديمة .. فوجدتها مرتبه قليلاً عن باقى الشقة .. هل كانت امى ترتب حجرتى أكثر من الشقة بكاملها؟ .. رحمكِ الله يا أمى فقد كنتِ خير ام .. ذهبت لارقد على سريرى الذى افتقدته .. و صور اللاعبين المعلقة امامى "مارادونا و بيلية و بيكهام و راؤول" و جميع نجومى المفضلين .. نظرت اليهم و اغمضت عيناى استعد للنوم .. و اذا بهاتفى المحمول يرن .. من هذا الحيوان الذى يتصل فى هذة الساعة من الليل؟

التقت هاتفى و وجدت ان المتصل اسمه لم يظهر عندى رددت ببرود شديد "الو" .. فسمعت الرد "الو .. ازيك يا طلعت .. البقاء لله أنا عارف انها كانت غاليه عندك جداً" .. حاولت تذكر الصوت لكن لا اتذكر لمن هذا الصوت؟ .. "و نعم بالله .. مين معايا؟" .. "أنا صلاح يا ابنى! مش فاكرنى صلاح الفقبر؟ اللى كنت معاك فى الجامعة!" .. بصعوبة رددت لأننى لا احب هذه الشخصية "اة صلاح .. افتكرتك .. انا الحمدلله كويس" .. "طب الحمدلله انا قلت اتطمن عليك بس .. هو العزا امتى صحيح؟" .. حاولت اخفاء غضبى و تعبى من غباء هذا الكائن "العزا خلص يا صلاح .. هو برضه هيكون فى عزا الساعة واحدة بعد نص الليل؟" .. رد بغباء "أنا افتكرت انها ماتت النهاردة فقلت ممكن يكون الغزا مطول لحد دلوقتى" .. رددت بكل برود "صاحب واجب طول عمرك يا صلاح .. مع السلامة!" اغلقت الهاتف و وضعته بجانبى.

احاول النوم .. لا استطيع .. فى داخلى اقول *الله يخربيتك يا صلاح .. بس لما اشوف مين اللى اداك رقمى* .. احوال النوم مجدداً لا استطيع .. اتقلب كثيراً حتى انام لا استطيع .. و كأن النوم لا يريد ان يمنحنى فرصة اخرى!

احضرت الراديو القديم الذى كانت تمتلكه امى .. حاولت ضبطه على اذاعة القرآن الكريم .. لم استطع فى اول الامر .. يبدو اننى نسيت كيف اضبط تردد الاذاعة .. حاولت كثيراً حتى نجحت .. تركتها بجانبى تقرأ على مقطع من سورة البقرة
"وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ"

هدأت كثيراً و ارتحتُ و انا اسمع هذه الايات .. اغمضت عينى فى محاوله للنوم و اذا بى افاجئ بأن اذاعة القرآن الكريم استُبدلت بتردد لأذاعة اغانى .. ماذا حدث؟ هل اصبح الراديو قديماً جداً حتى انه يغير بين الترددت بأستمرار؟

استمعت قليل فوجدت اننى اعرف هذا الاغنية .. انها اغنية "God's gonna cut you down" للمغنى "Johhny cash" .. يغنيها بنغمة صوت ثقيله .. لازلت اراجع ما حدث .. و لماذا حدث؟

مدت يدى و اغلقت الراديو و قلت بصوت مسموع "بكرة اشترى واحد جديد بدل اللى خرب دة" .. تقلبت حتى نمت على ظهرى و انا انظر إلى السقف .. افكر فى ما يحدث .. هل هذا فعلاً حقيقى ام اننى اتخيل هذه الاشياء من صدمة الخبر؟ و انا افكر سمعت رنه هاتفى المحمول مرة اخرى!

من هؤلاء المعاتيه الذين يتصلون فى اوقات متأخره كهذة؟ ردت بنبره غضب "الو مين معايا؟" .. سمعت صوت يرد بهدوء "اسف لو كنت ازعجتك بس انا لسة راجع مصر حالاً والله .. البقاء لله والدتك كانت غاليه على جداً" .. اميز هذا الصوت و لكنى لست متأكداً .. "و نعم بالله .. مين حضرتك؟" .. يرد بهدوء "أنا محمد سليمان .. جاركم اللى فى الشقة اللى قصادكم" .. رددت بسعادة على صديق الطفوله "محمد ازيك؟ والله واحشنى جداً أنا لازم اشوفك و كويس اننا رجعنا مصر فى نفس الوقت" .. "اة والله و انت كمان واحشنى جداً .. اخبارك اية؟" .. "أنا اهو الحمدلله كويس .. وانت اخبارك اية؟ و اية يا ابنى بقالك غايب قد اية عن ماما وفيّة؟"

رد بنبره حزن "هى اللى غايبه عنى من سنتين و نص .. الله يرحمها" .. فجأة احسست اننى لا استطيع النطق .. هل يقول فعلاً انها ماتت ام انها مجرد هلاوس النُعاس؟ .. احس ان قلبى توقف عن النبض و نفسى لم يعد يدخل إلى رئيتى  .. ارجو ان ما يقوله ليس حقيقة .. ارجو ان يكون مجرد كابوس مفزع لا أكثر ..... يُتبع

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...