Monday, June 6, 2016

لم أكن أحتفظ خارج ذاكرتي بأي شيء. كل شيء امتلكته يومًا ما ألقيت به خارج حدود الحيز المكاني الذي اتحرك فيه، صورتي وأنا في المدرسة لطختها بالقلم الجاف، كشاكيل طفولتي وكلام الصبا _وهي أشياء قليلة لم أكن أهوى الكتابة كثيرًا_ رميتها أيضًا ولم أعد اتذكرها، حتى الأشياء البسيطة كالمفكرة الصغيرة التي كنت أدون فيها أرقام أصدقائي ألقيتها منذ سنين في سلة القمامة بدمٍ بارد.

لم أفكر _يومًا ما_ أنني سأنسى كل ذلك ولن أتذكر غير أننى تركته يفلت من بين يدي كما فلت من ذاكرتي بكل سهولة. الذاكرة شيء غير ممسوك، لكنه في النهاية يحدد شخصيتك، الذاكرة هي كل ما أنت عليه الآن. أتعجب من تعامل بعض الأشخاص مع الذاكرة على أنها شيء غير مهم، وهو تعامل غريب مع شيء ساهم في تشكيل شخصيتك بشكل أساسي، كيف تتعامل مع ركن أساسي من أركان حياتك بكل هذه الاستهانة؟

في آخر مشاهد فيلم سينما براديسو، يشاهد توتو مونتاج عبارة عن مجموعة من القبلات بين الممثلين في الثلاثينات والعشرينات، وهي المشاهد التي لم يكون مسموحًا بعرضها في السينما، لأن القس يرى أنها مشاهد غير أخلاقية لابد أن تُمحى. عندما شاهد توتو تتابع هذه المشاهد ابتسم وبكى في نفس الوقت، ببساطة لأنه تذكر الجزء المحذوف من حياته، تذكر ماضيه الذي لم يفكر فيه من سنوات، تذكر الحب الضائع والسفر وألفريدو السينما القديمة، تذكر كل شيء فشعر بذاته أكثر فبكى.

بالنسبة لي، مشاركة أجزاء من الذاكرة مع أحد البشر، هو تصريح غير معلن منك بالسماح لهذا الشخص بالمشاركة في حياتك بشكل ما، هي ليست مجرد حكايات أو حواديت قديمة، هي أنت وهي ما أدت لما أصبحته الآن.

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...