Saturday, August 22, 2015

الشيخ سعيد موظف دولة مثالي، يعمل بأحد أشد معاقل البيروقراطية فتكًا بالمواطنين. الشيخ سعيد يأتي في الصباح متأخرًا لعله يمهل لزملائه الوقت كي يأتوا متأخرين بضع ساعات عن يوم العمل العادي، لكنه لا يهمل الخصم لكل من قصّر وجاء متأخرًا إلا نفسه.

يعمل الشيخ سعيد في مكتب شئون العاملين، وهو مختص بتسجيل الغياب والحضور للجميع الموظفين في هذا الصرح العظيم البغيض. يبدو متسامحًا في بعض الأحيان، ويبدو قذرًا ايضًا في أحيان أخرى، يحدث من يدفع حساب الشاي بلطف ويقسو على من يشرب ولا يدفع، وقد يقسو أحيانًا على من يدفع لأنه دفع لنفسه فقط ولم يدفع للشيخ سعيد، فيخصم من نصف يوم عقابًا له على ذلك.


يعلق الشيخ سعيد خلف مكتبه يافطة عملاقة متر في نصف متر كُتب عليها بخط كوفي ردئ "لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا .. صدق رسول الله (ص)". فأذا اتاه أحد الموظفين أو الموظفات قائلًا أنه مريض أشار له إلى اللوحة وقال له بنبرة وعظية بها الكثير من الشماته والبغضاء "إنت حر .. إنت اللي هتموت مش أنا".

على مكتبه، يجلس الشيخ سعيد طوال اليوم، يقرأ الجرائد ويشرب الشاي ويحاول حل الكلمات المتقاطعة إذا لزم الأمر، يدخل عليه بعض الموظفين فيبادرهم بقوله "شوفتوا اللي حصل؟" ويبدأ في سرد أحداث قرأها منذ قليل وربما يزيد عليها قليلًا من خياله فيقول الواقف أمامه "لا حول ولا قوة إلا بالله" فيرد الشيخ سعيد بجملته التي رافقته طيلة السنوات القليلة الماضية "هنعمل إيه؟ ربنا يولّي من يصلح" ولا ينسى ابدًا أن يضم الياء ويشدد اللام.

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...