Friday, October 11, 2013

حوار مع صديقى المؤمن #1

عائدٌ انا من رحلة استغرت خمسةٌ و عشرون عامًا ما بين شرق اوروبا و الولايات المُتحدة و الهند و بلاد الشرق الاسيوى، دراستى للطب جعلتنى اقرب للانسان .. لمشاكله سواء العضوية او النفسيه، اجلس مع المرضى يتحدثون عن مشاكلاتهم فى الحياه .. العائلية و العمليه و غيرها من المشاكل المختلفه ...

عُدت الى البلد التى طالما حلمت ان اعيش بها و لكن كان قرارًا صائبًا من والدي بالهجرة الى الخارج بعيدًا عنها بعد كل ما رأيته يحدث من تدهور اقتصادى و علمى و اخلاقى فيها .. رجعت حتى التقى بصديق الطفوله، صديقى الذى لم اعرف سواه خلال العشره سنوات التى قضيتُها فى مصر ..

بحثت عنه فى كل مكان و عرفت انه تخرج من كليّة الهندسه و يعمل فى احد الشركات الكُبرى .. توصلت لرقم هاتفه المحمول و اتصلت به ..

-آلو؟
-كيف حالُك يا صديقى؟
-مين معايا؟
-أحمد رشدى، صديق طفولتك.
-(صمت لثوانِ) صديقى مين؟
-احمد رشدى، قد هاجرت مع اسرتى قديمًا الى اوروبا.
-(صمت قليلًا ثم ضَحِك) ايوة ايوة، احمد رشدى، رجعت امتى و جبت رقمى ازاى؟ و جبتلى معاك ايه من اوروبا؟ و بتتكلم بالغة العربية لية كدة زى المسلسلات المدبلجة؟
-عُدت منذ يومان، و بحثت عندك حتى وجدت مكان عملك و رقم هاتفك، و قد اتيت على عَجَل و لم آتى بشئ لك، و اتحدث العربية لأننى درستها فى لندن و قررت التحدث بها بعدما نسيت الكثير من المفردات فى اللغة العامية!
-(على عجل برضه يا جلده) ولا يهمك يا حبيبى المهم انك رجعت بالسلامه، ها؟ مش هشوفك ولا ايه؟
-ما رأيك ان نلتقى اليوم فى مكانٍ من اختيارِك؟
-اية رأيك نتقابل بكره افرجك على الاهرامات و نتغدى و نشرب الشاى فى الحُسين؟
-اتفقنا.

فى اليوم التالى ذهبنا الى الاهرامات و رأيت العظمة فى البناء الذى احتار فيه الكثير من الناس فى جميع انحاء العالم، بعضهم قال ان الفضائيّن بنوه قبل الاف السنين .. و بعضهم قال ان الجن اجتمعوا و بنوه قبل نزول ادم للارض .. انه معجزه .. اسطوره حيّه فى بلد لا تُقدِر قدرها ...

ذهبنا بعدها الى الحُسين و شاهدت المسجد من الخارج و الداخل و هو عبارة عن تُحفه معماريه، رأيت مساجد فى جميع انحاء العالم و لكن هذا .. هذا مختلف فالمسجد له روحًا ككل الاشخاص بداخله، و لكن ما عكّر صفو هذه الروح الجميله، الجهله الذين يقبلون حيطان المقام و الحديد و الابواب و كل شئ بالمقام ...

توجهت ناحيه صديقى و همس بجانب اذنيه "هل ما يحدث هنا مكتوب فى الدين الاسلامى من تقبيل لكل شئ فى المقام و الاستعانه بروح الحُسين لكى تنقذهم من متاعب الحياة" .. فرد عليّ "لا، دة كله هجص سيبك منُّه".

توجهنا الى مقهى الحُسين و جلسنا و شربنا الشاى الذى لم اتذوق مثيله فى اى من البلاد التى زُرتها.

-اية رأيك فى الشاى؟ عمرك ما شرب زيّه فى اى مكان من البلاد اللى لفتها صح؟
-عظيم يا صديقى.
-اضرب شاى .. اجيبلك ساندوتش كبدة؟
-اشكرك يا صديقى .. دعنى اسألك سؤالًا.
-اتفضل.
-يا صديقى فى بلادِكم الناس دائمًا يشتكون و يتباكون على حالهم، لا يعملون و يشتكون من ضعف المرتبات، لا يبذلون اى مجهود و فى نفس الوقت يرجون المزيد من الحياة، و بعد ذلك يشتكون من وضعهم الحالى الذى يسوء يومًا بعد يوم مع ان الاية القرآنيه واضحه "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىيُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" لماذا لا تتبعون ما اُنزل اليكم من الله؟

-بص يا صديقى انا هقولّك، هو كلامك صح طبعًا بس احنا بتعامل مع الحكاية دى بمبدأ غير نفسك انت الاول و بعدين تعالى كلمنى، كل واحد فينا بيبص للتانى بنظرة انت مين علشان تيجى تقولى اتغيّر، كل واحد شايف ان المشكله مش منُّه و انه هو كويس مفيش فيه مشكله علشان يتغير و غيره هو اللى محتاج يتغير .. محدش باصص لنفسه كله باصص لغيره و بيشاور عليه و بيقول بص فُلان بيعمل ايه و عمره ما فكر يبص لنفسه مره و يشوف هو نفسه بيعمل ايه، الموظّف عايزك تجيله فى الوقت اللى هو يحبه و تلتزم بيه و هو مبيلتزمش بوقته فى شغله او مكتبه، العامل اللى بيجى متأخر و بيمشى بدرى عايز مكن جديد من صاحب الشركه اللى مش عايز يصرف على عمال مش ملتزمين، الطلبه مش عايزه تروح المدرسه و المدرس اللى شغال دروس خصوصيه مش عايز يشتغل فى المدرسه لأنه مش مُستفيد منها حاجه، و غيره و غيره من النماذج اللى زى كدة.

الموضوع بقى اقرب لدائرة مغلقه كلنا بنلف فيها حوالين بعض عاملين زى الفيران اللى بيلفّوا على العجله، العجله عماله تلف و هما بيتكعبلوا فوق بعض، و كل واحد شايف الغلط من التانى، بلد تقريبًا فيها 90 مليون مدرب و مفيش فيها ولا لاعب واحد، فيها 90 مليون مدرس و مفيش فيها ولا طالب واحد، كل شخص فينا محتاج ياخد وقت يفكر فى نفسه و فى اللى المفروض يعمله او يقدمه للنهوض بالبلد دى، يا كدة يا هنفضل بنلف مكاننا زى الفيران فى الدايره!

-شكرًا لك يا صديقى على اجابتى على السؤال، فهناك مثله الكثير من الاسئله كنت اود لو يسع صدرك لى و اطرح عليك هذه الاسئله.

-(اة، شكلنا كدة ليلتنا مش فايته) عادى يا معلم ولا يهمك اسأل زى ما انت عايز.

يُتبع .... 


No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...