Wednesday, January 22, 2014

قوس و سهم #2 (صنّاع الحياة .. بين الغاية و التطبيق)

(1)

الميلاد

ايام قليلة تفصلنا عن الذكرى الثالثة لثورة الخامس و العشرين من يناير، هذه الثورة التى جاءت كنتيجة طبيعيّة -و مفاجئة فى نفس الوقت- للفساد و القمع الذى كان يُمارس فى كل ربوع مصر، و اتت هذه الثورة و فى نفوس شبابها التخلص من كل هذا، و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه، و من غير المعقول ان تنجح ثورة فقط بالنيّه.

عقب خطاب التنحى، تملّكنا شعورًا بأن الوطن قد عاد لنا مرًّة اخرى، فأنطلقت حملات النظافة بكل حماس فى كل شوارع مصر عملًا بهذا المبدأ، و كان هناك الكثير من الحماس من الشباب ان يُصلحوا و يروا اصلاحات جادة على جميع المستويات الاجتماعيّة.

تفرّقت الرؤى، فبعض الشباب رأى ان الحل سياسيًا و هؤلاء اتجهوا للاحزاب -القديم منها و الحديث- و منهم من اقاموا احزابًا و حركات و ائتلافات، و البعض الاخر رأى ان الحل ليس سياسيًا و انما اجتماعيًا و هؤلاء اتجهوا الى الجمعيّات الخيريّه و المؤسسات التنمويّة المنتشره فى كل مكان فى مصر، و لكن اكبرهم و اكثرهم عددًا كانوا "جمعية رسالة" و "صُنّاع الحياة".

قبل الثورة، كانوا هؤلاء الشباب من جمعية رسالة يزورون منطقتنا و المناطق المحيطة فكانوا عبارة عن مجموعة من الشباب "اللى فيهم الخير" يدورون فى الشوارع ليل نهار كى يساعدوا الفقراء بدون اجر فقط من اجل الثواب و هذا طبعًا قبل الحملة التى شهدتها الجمعية عن حقيقة انضمامها لجماعة الاخوان المسلمين.

اتذكر ان والدتى الحّت عليْ كثيرًا ان انضم لمثل هذه الجمعيات حتى اشغل وقت فراغى فى شئ مفيد -و بالمرّه اعمل خير- فقررت اتخاذ طريق الاصلاح المُجتمعى و الانضمام لصناع الحياة، فقد كنت ارى ان مشاريع مثل "العلم قوة" و "انسان" من المشاريع التى تستحق مساعدتها فى تحقيق هدفها و التى سوف تعود بالنفع على وطننا الحبيب (فى هذا الوقت).

انضممت لصناع الحياة مشروع الجامعة و لم اتخيّل مدى السعادة التى شعرت بها بعد هذه الخطوة التى اضافت لى الكثير فيما بعد، كنت ارى ان شباب و بنات صناع الحياة مختلفون عن باقى الشباب الموجودون فى اى مكانٍ اخر، فهم -على اقل تقدير- يحاولون المساعدة حتى و لو كانت مساعدتهم هامشيّه و غير مؤثّره بالشكل المطلوب فى النهاية.

استفدت كثيرًا من هذه التجربة فى اننى رأيت فيها ما كان مستحيلًا ان اراه الا عن طريق هذا الكيان، رأيت كهولًا حرصين على تعلُّم الحروف الابجديّة، رأيت السيدات يقفن فى الطوابير كى يقدمن البطاقات الشخصيّه ليدخلوا الفصول الدراسيّة، رأيت الحرص على التعلّم حتى ممن يطلق عليهم ذوى احتياجات خاصة و فى الحقيقة نحن الذين بحاجة الى احتياجات خاصة، رأيت الكثير من الاماكن داخل مصر لم اكن اعلم عنها شيئًا.

قابلت فى هذه الفترة -التى لن انساها ما حييت- الكثير من الاشخاص الذين اضافوا لحياتى الكثير، لهم جزيل الشكر و جزاهم الله كل خير.

(2)

التكوين

عند دخولك الى صناع الحياة ستجد انهم -تقريبًا- جميعهم يتشابهون فيما بينهم بشكل نمطى كالمتطابقة، فهم يحبون الدكتور عمرو خالد الا بعد اراءه الاخيرة و التى ادت الى انقسام و تردد من البعض فى استكمال طريقهم فى المؤسسه من عدمه، و يحبون ايضًا فتى الشاشة الاول الاستاذ مصطفى حسنى و من بعده استاذ مُعز مسعود وصيف الملك، يستمعون جميعهم الى حمزة نمرة و ماهر زين بأعتبار انهم وحدهم الذين يقدمون فنًا هادفًا.

و لكن كل هذا ليس مهمًا، ما فاجئنى حقًا اننى وجدت ان الكثير -و لن اقول الاغلبية حتى لا اكون مُبالغًا- قد دخلوا جمعيّة صناع الحياة بهدف التعارف على الجنس الاخر على طريقة "العريس يا نجيبة" و لن اقول اننى فتشت فى النوايا و لكن ما رأيته من تصرفات قد اوضح هذه النقطة، و هذه ليس اشارة منّى الى اننى اؤيد الفصل بين الجنسين فى مجتمع عدد الاناث به يفوق عدد الذكور بكثير، اما هذا الشئ فقد كان نقطًة فاصلة فى الحُكم على الاشياء، فقد كنت ارى ان شباب و بنات صناع الحياة ليسوا بهذه التفاهة من وجهة نظرى التى تجعلهم يبحثون على الارتباط فى جمعيّة تنموية!

لم اكن اعرف ان الجمعيّات الخيرية و التنموية اصبحت طريقة للحصول على ارتباط عاطفى، و انا هنا لا اُعيب على احد منهم، فالقالب ثابت و لكن الاماكن و الانماط فقط هى المُتغيّره، فهم نفس البشر الموجود فى خارج صناع الحياة بكل تعقيدات النفس البشرية، لا الومهم على هذا ابدًا بالعكس فهم لهم كل الحق فى ان يفعلوا ما يريدون، ما اقوله هو ان لا يصبح هذا فقط هو الهدف من الدخول فى الجمعيّات الخيرية و التنموية، و كان علىْ ان الو احدًا فأنا الوم نفسى اننى كنت ارى انهم مُختلفون.

ما قد اخذه كنقطة ليست فى صالح الجمعيّة هى انهم يبحثون فى النهاية على العدد، على "الكم" فقط و ليس "الكيف"، فهم يبحثون دائمًا عن ارقام تُحقق كربح فى نهاية كل مشروع جديد، لا يهم جودة التعليم فى الكثير من الاحيان طالما حققنا الهدف المطلوب و تخطينا الرقم المراد تحقيقه، لا يهم ان يكون كل شئ صحيحًا و لكن المهم ان يكون العدد صحيحًا.

نصيحتى لم اراد الانضمام لأى من الجمعيّات الخيريّه و المؤسسات التنموية، هم فى النهاية بشر مثلك، لا تستعجل النجاح، لا ترفع سقف امالك للسماء و لكن ثق فى الله و فى قدرتك على تحقيق النجاح، اهتم بالمنهج و لا تهتم بالعدد.


(3)

الخلاص

صناع الحياة، مؤسسة تنمويّه كبيرة تستحق كل الاهتمام و التمويل المطلوبان من الدولة لمساعدتهم على تحقيق اهدافهم التى ستعود بالنفع على جميع من هم فى مصر، ادين لهذا الكيان بالكثير من الفضل فى التغيير الشخصى و بعض الثوابت التى ساعدنى العمل معهم فى تحطيمها، فقط يحتاج كل اصحاب القرار بداخل المؤسسة ان يحاولوا جاهدًا تغيير استراتيجية العمل بما يتناسب مع كيفيه تحقيق الهدف كاملًا بعيدًا عن الاعداد فقط.

فى النهاية اريد فقط ان اقول اننى يسعدنى انتمائى لهذا الكيان حتى و لو كانت مشاركتى به ضئيله، لا الوم احدًا ممن ذكرتهم، فقط اريد منهم محاولة الاصلاح قدر المستطاع حتى يتم تحقيق الهدف بشكل كامل، وفّق الله كل من اراد اصلاحًا، وفّق الله كل من اراد تحريك العجلة التى لا تدور، وفّق الله كل من شارك فى تنمية جزء و لو بسيط من انسان يعيش على هذه الارض.

No comments:

Post a Comment

أركن إلى المجاز الأقرب والأوضح، لضعف ما امتلك من حصيلة معرفية ولغوية وزخم شعوري تجاه العالم، فالوحدة هي الصحراء الواسعة، والظمأ الأرض ا...